الجمهورية
زياد السحار
زيادة السكان.. والسعادة الغائبة
أخشي أن نكون قد وصلنا إلي المرحلة التي أصبحت فيها "الدولة لا تقدر".
هذه العبارة ليست من عندياتي ولكنها كانت تأتي في سياق أحاديث وخطب الرئيس الأسبق مبارك عندما كان يتحدث عن مشكلة الزيادة السكانية وخطرها الداهم علي الشعب والحكومة معاً.. وكانت هذه النصائح تأتي أحياناً علي شكل "دعابة" في خروج علي نص خطاباته المكتوبة وأحياناً أخري تأتي مكتوبة ولاسيما منذ أن عقد مؤتمر السكان في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وعين الدكتور ماهر مهران رحمه الله وزيراً للسكان.. وكان يردد ان عبدالناصر كان يحكم 27 مليونا والسادات في أواخر حكمه 43 مليونا وها هو في هذه الفترة يحكم ما يقارب الستين مليونا.. ولا أدري ماذا كان سيكون حاله عندما تجاوز تعداد سكان مصر الآن أكثر من 92 مليوناً بزيادة حوالي عشرة ملايين منذ ثورة يناير 2011 التي أنهت فترة حكمه الطويلة.
وبغض النظر عن رضانا أو عدم رضانا عن فترة حكم مبارك والثورة عليه.. إلا ان كلمته ان الدولة سيأتي لها الوقت الذي تصبح فيه لا تقدر بسبب هذه الزيادة السكانية غير المحسوبة قد بدأت تتحقق علي أرض الواقع.. ومهما بذلت الحكومة من جهود للتنمية وخلق فرص عمل ومشروعات خدمية في الإسكان والطرق والمدارس والكهرباء والصرف وغيرها فإن معدلات النمو لا تلاحق أبداً تلك الزيادة السكانية الرهيبة خاصة في القري والنجوع والمناطق العشوائية الفقيرة المحرومة أصلاً من التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية السليمة.
والحقيقة ان المواطن في مصر بدأ يشعر بهذه الزيادة السكانية المتفاقمة في حياته اليومية ولعل أبرزها تلك الاختناقات المرورية في مدينة مثل القاهرة الكبري علي مدار ساعات النهار والليل.. ويواكب ذلك التكدس الرهيب في محطات مترو الأنفاق في رمسيس "الشهداء" أو العتبة أو الجيزة أو دار السلام أو المرج أو عين شمس حيث يسير الناس بدفع بعضهم بعضا من شدة الزحام.. وتزايد المشكلات يوماً بعد يوم ولاسيما مع تدفق المهاجرين من الريف إلي الحضر بحثاً عن حياة كريمة.
المعاناة من تلك الزيادة ملموسة في المستشفيات الحكومية وحتي غير الحكومية وفي التأمين الصحي وفي تكدس الفصول بالمدارس بل يصل الزحام إلي أماكن الترفيه في المناسبات والأعياد في الحدائق ودور السينما والمصايف والمولات التجارية والمطاعم وأي مكان يمكن أن تطأه كذلك.. والمشكلة للأسف مرشحة كل يوم لمزيد من التفاقم في غفلة من الناس خاصة البسطاء منهم الذين يسابق بعضهم بعضاً في الإنجاب وسط عادات موروثة ومبررات دينية مقحمة علي ديننا السمح الذي ينشر القوة والعزة والحياة الكريمة للفرد ولا يفضل تأثير هذه الزيادة العددية علي المجتمع وقدرة الدولة الراعية علي الوفاء بالاحتياجات المطلوبة لرعاية مثل هذا المواطن الصالح في المجتمع.
وأشعر أحياناً بالدهشة من البعض الذي يقارن بلد مثل بلدنا له ظروفه الاقتصادية الصعبة ويواجه تحديات ومؤامرات بدول كثيفة السكان مثل الصين أو الهند متناسياً ان المواطن في هذه الدول له طبيعة خاصة تحكمه أيدولوجية فكرية وقوانين صارمة وهو ما يفرز مواطناً ملتزماً منتجاً وأحياناً زاهداً في تعامله مع الحياة في إطار منظومة حاكمة تحقق أعلي معدلات نمو اقتصادية وتكنولوجية تدفع ببلادهم إلي مقدمة الدول العالمية.
فالمقارنة للأسف غير عادلة ونحن نشكو الآن من ضعف الانتاجية والاعتماد الهائل علي الاستيراد من الخارج وقلة ساعات العمل وانتشار المقاهي مع تزايد البطالة بشكل غير مسبوق وكثرة الاجازات وتحويل المناسبات الاجتماعية والدينية إلي اسراف في الاستهلاك حتي في أيام الصيام في شهر رمضان الذي يفترض فيه الاقتصاذ في الطعام.. إلا اننا نحوله إلي مزيد من تناول الأطعمة والحلويات.. وتكون المحصلة هي الزيادة في الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه الذي أصيب بنكسة هذه الأيام تشبه نكسة 1967 ولاسيما ان المعالجة لظروفنا الاقتصادية قاصرة علي تحمل المسئولية لرجال المصارف والبنوك الذين يحاولون تطبيق أساليب ونظريات وأسس مالية من الصعب أن تتناسب مع ظروفنا الاقتصادية التي يحكمها عوامل اجتماعية وسياسية من شأنها إفساد أي إصلاح مالي أو اقتصادي.
***
الحديث عن المشكلة السكانية معاد ومكرر أصبح مثل إعلان حسنين ومحمدين الغنائي الذي ربما كان مدعاة للسخرية أو الإنجاب إبان خروجه إلي النور في حملات تنظيم الأسرة التي انفق فيها عشرات المليارات ولم تحدث أثراً ملموساً علي أرض الواقع.
ولكن إذا ما استمر الحال علي ما هو عليه فلا أظن ان من حق أحد أن يقارن أحوالنا بأحوال دول أخري في أوروبا حافظت علي معدلات سكانها وبالتالي أسعار عملتها التي لم تتدهور مثلما الحال مع عملتنا.. ولا يصبح من حق أحد أن يتحدث عن دول تنعم شعوبها بالسعادة حتي ان احداها استحدثت وزارة بهذا الاسم لأن السعادة في ظل الزيادة السكانية بالتأكيد غائبة غائبة ولا عزاء للمزايدين والمتزايدين..!!
***
وتبقي "الجمهورية"
صحيفة الشعب
بمناسبة احتفال "الجمهورية" بعيدها الثالث والستين.. كان مقال زميلي الصحفي القدير الأستاذ عبدالوهاب عدس وأيضاً مقال زميلنا العزيز الأستاذ حسن رمضان وقد كانا شاهدا عيان علي مراحل وأجيال عديدة سبقت وتلاحقت علي جريدتنا الحبيبة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي.. وقد سردا بحب وبذاكرة يقظة رموز وزملاء صحفيين كبارا وشبابا كان لهم بصماتهم علي صفحات هذه الجريدة.. وأيضاً في أروقتها وفي مطبخها الصحفي كجنود مجهولين أعطوا بسخاء لتبقي هذه الصحيفة العريقة شمساً مشرقة مع كل صباح تنير للمصريين سبل حياتهم اليومية إعلاماً وثقافة وتيسيراً لما يحتاجونه في تعاملاتهم مع أجهزة الدولة ومرافقها وأيضاً صوتاً لقرائها طلباً لحق أو درءاً لظلم بكل شجاعة وأمانة ومسئولية تحافظ علي صون مصالح الوطن والأمة دون تفريط في حق إعلام القارئ وحرية الصحافة رغم أي ظروف أو منعطفات تمر بها البلاد.
شعرت وأنا أقرأ مقالي الزميلين بمشوار حياتي الصحفية حيا أمامي وعيناي تقع علي أسماء أساتذة وزملاء أحباء تشاركوا جميعاً في هذه المسيرة الحافلة بالعطاء.. ومن يستطيع منا أن ينسي الأساتذة محسن محمد واسماعيل الشافعي وعلاء دوارة وعبدالكريم سليم والسيد عبدالرءوف والزملاء الأعزاء محمد حامد حسن ومحمد اسماعيل وغيرهم.. رحم الله الجميع وتبقي "الجمهورية" دائماً صحيفة للشعب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف