محمود سلطان
يبقى البتاع في البتاع.. والناس تقول ده مش معقول!
أيام مبارك، كان يوجد "ترزية" قوانين "معلمين"، ورجال دولة محترفون، قُل ما شئت عن فسادهم، ولكنهم بالتأكيد مختلفون عن رجال "دولة السيسي". ولنتذكر.. الإعلامية التي قالت، إن أكلنا ثلاث طقات في اليوم، يؤذي مشاعر الرئيس!!.. وليبرق إلينا رسالة عن شعار المرحلة، وأنه يوجد خلف مكاتب صناع القرار، من يعجبه هذا الصنف من الإعلام "النكتوي" ـ مشتقًا من النكتة ـ إذ لم تنقطع الغرائب والعجائب، وكنا نظن أن ما أُذيع على فضائيات السلطة، بأن الضفادع البشرية المصرية، أسرت قائد الأسطول السادس الأمريكي، ربما يفضى إلى حالة عامة من "الخجل الرسمي"، ويراجع المسئولون أسماء ونوعيات الإعلاميين، ويعيدون اختيار ما يشرفهم.. قبل أن يشرف بلدًا عريقًا وكبيرًا في حجم مصر.. لكن المذهل أنهم ظلوا على شاشاتهم يتقيأون كل ليلة، بما تجود به أمعاؤهم الغليظة من "روث"! فماذا نفهم من ذلك؟!.. ما نفهمه أنها سياسة ممنهجة وأن أبانا الذي في الأجهزة، مبسوط وسعيد بما يرى يسمع.. بل ربما يملي على هؤلاء "المخابيل" كل ليلة فحوى المادة الإعلامية! الظاهرة تمثل نسقًا عامًا، لا يخص الإعلام النظامي وحده، ولعلنا نتذكر أيضًا القانون الذي فُصّل على مقاس المستشار هشام جنينة.. فُصّل عيني عينك كده وش.. وعلى رأي عمنا المرحوم أحمد فؤاد النجم، في رائعته "البتاع".. عندما قال: ويبقى البتاع في البتاع.. والناس تقول دا مش معقول!.. ليلخص صدمة الفجاجة التي لا يمكن أن يستوعبها أولو الحكمة من الناس. ظلت السلطة تقول إنه قانون لا يستهدف أحدًا.. ولكي يشوشروا عليه، تضمن حق الرئيس ليس في إقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وحده، بل تضمن إقالة كل رؤساء الأجهزة الرقابية الأخرى.. يعني "مش جنينة لوحده".. ومع ذلك لم يصدق الناس هذه الشعوذة الرسمية، وفهموا من قبيل القطع، أن المقصود، هو جنينة.. وأطلقوا على القانون "قانون جنينة"! ولأنه لا يوجد الآن إلا منطق "العضلات" وتنحي العقل وإهانته والاستخفاف به.. لم تمر أيام على إقالة جنينة.. لتقرر السلطة وبخاتم رئاسي، طرد ابنته من وظيفتها.. ولم يفكر أحد داخل هذا العقل العبثي الرسمي، أن الناس بطبيعة الحال، وبالتبعية، سيربطون بين الواقعتين التنكيل بجنينة، وثم التنكيل بابنته.. ولكن قرار طردها جاء: كده وش واللي مش عجبه.. وعلى خلفية موسيقى تصويرية لأغنية تردد رائعة "نجم": يبقى البتاع في البتاع.. والناس تقول دا مش معقول. وكما قلتُ لم يعد أحد يفكر لا في العواقب، ولا في الفجاجة التي ترسم سياسات وسيناريوهات الإعلام التعبوي، ولا في كيفية التخلص من "المزعجين" الذين تخشاهم السلطة لشفافيتهم ونقائهم. هذه الأيام، يجرى التحضير لمشروع قانون، مفصل تفصيلًا على مقاس بعض القضاة، للإطاحة بفرصتهم في الترقي، وتولي مناصب ومنصات رفيعة، وتفصل في القضايا عند أعلى سلطة قضائية.. واستبعادهم والكل يتحدث الآن صراحةً بأن هذا المشروع المقصود به حرمان القاضي الذي فُصل في قضية "صنافير وتيران" من الترقي. والقانون فعلًا يعطي للرئيس سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية.. وإلغاء مبدأ الأقدمية.. ما يجعل مؤسسة العدالة رهن رضا الرئيس أو سخطه.. ويجعله يستبعد من يشاء ويقرب إليه من يريد.. ويعزز كل أدوات التغول الكامل للسلطة التنفيذية على السلطة القضائية.. وهو تمهيد قانوني لنشر الفوضى والعنف في مصر.