الأهرام
عبد الفتاح الجبالى
الثقافة الضريبية والتحديات المجتمعية
أخيرا أثار المستثمرون العاملون فى بعض المجالات اعتراضهم الكامل على ضريبة القيمة المضافة التى أقرت أخيرا بالقانون رقم 67 لسنة 2016،
وكان قد سبقها حملة منظمة من بعض النقابات المهنية لرفض الخضوع لهذا القانون، ناهيك عما يطالب به البعض من إعفاءات ضريبية فى مشروع قانون الاستثمار بزعم أن الضريبة تؤثر بالسلب على جذب الاستثمارات الأجنبية. وهكذا يتفق هؤلاء جميعا على هدف واحد وهو عدم دفع الضرائب المستحقة والتعلل بحجج كثيرة أغلبها غير حقيقية. وهى إحدى المشكلات الجوهرية فى المجتمع المصرى ويبرز هذا بشدة فى الانخفاض الكبير فى مساهمة الضرائب فى الاقتصاد القومى والضعف الشديد فى الطاقة الضريبة إذ تشير الإحصاءات إلى أن الحصيلة الضريبية قد انخفضت نسبتها من الناتج المحلى الإجمالى من نحو 14% عام 2010/2011 إلى 12.7% عام 2015/2016وهى نسبة ضئيلة للغاية لاتتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، بل وتنخفض كثيرا عن الدول المماثلة إذ تصل هذه النسبة لدى البلدان ذات الشريحة الدنيا من الدول التى تقع فى فئة الدخل المتوسط إلى 26.4% وتصل هذه النسبة إلى 28.5% بالنسبة لبلدان الشريحة العليا من هذه الفئة هذا فضلا بالطبع عن أن المتوسط العالمى يصل إلى 28.7% ويصل المتوسط لدى بلدان الدخل المرتفع ( سواء الاعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية التى تصل إلى 41.5% وغير الأعضاء فى هذه المنظمة حيث تصل هذه النسبة إلى 33.8%).

ومن الجدير بالذكر أن معدل النمو فى الضرائب على الأجور والرواتب قد وصل إلى 20% حيث حققت نحو 32 مليار جنيه، بينما الزيادة فى إجمالى الضرائب كان 15% فقط محققة نحو 352 مليار جنيه عام 2015/2016 وفى مقابل ذلك لم تحقق الضريبة على المهن الحرة إلا 731 مليون جنيه فقط، وهو مبلغ ضئيل للغاية لا يتناسب بأى حال من الأحوال مع ما تقوم به هذه الفئات من نشاط داخل الاقتصاد القومي، فإذا ما أضفنا لذلك تراجع الحصيلة من أرباح الشركات الأخرى (غير الجهات السيادية) وضآلة الحصيلة الجمركية مقارنة بحجم الواردات حيث لم تتعد 4% لاتضح لنا مدى الخلل الكبير فى الهيكل الضريبى الحالي.

ويتميز النظام الضريبى المصرى بارتفاع نسبة التخلص من الضريبة إماعن طريق التهرب tax evasion وإما عن طريق التجنب tax avoidance، والثانى هو الذى يتم وفقا للقانون بينما يتمثل التهرب فى مخالفة القانون والذى يتمثل فى عدم التقدم بالإقرار الضريبى رغبة فى إخفاء النشاط وهو يعتبر جريمة فى حق المجتمع يجب محاربتها بقوة. ويمكننا إعزاء التهرب الضريبى إلى عدة عوامل يرجع بعضها إلى مصلحة الضرائب ذاتها، والبعض الآخر إلى الممول. ففيما يتعلق بالمصلحة فإن غموض القوانين الضريبية وتعقدها أدى إلى تأخر المأموريات فى فحص الملفات الخاصة بالممولين لمدة طويلة يترتب عليه تأخير مستحقات المصلحة، ومن ثم تعرضها للسقوط بالتقادم من جهة، أو تراكم هذه المستحقات على الملتزمين بالسداد من جهة أخري. وهنا تجدر الإشارة الى أن حجم المتأخرات الضريبية قد وصل إلى نحو 100 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2016 منها نحو 68.3% لدى القطاع الخاص.

بينما تنصب المجموعة الثانية من العوامل المؤدية إلى التجنب والتهرب الضريبى فى ضعف الوعى بالمجتمع بشكل عام، سواء كان ذلك بسبب سيادة أنماط من القيم لدى الممولين ترى فى الضريبة عبئا لا مبرر له، فهى لا تخرج عن كونها مجرد جباية مالية، هذا فضلا عن ضآلة العقوبة. فإذا ما أضفنا لذلك الإعفاءات الضريبية الكثيرة والمتعددة الواردة فى بعض القوانين والتى مازالت سارية، الأمر الذى يؤدى إلى فقدان جزء لابأس به من الحصيلة ومن ناحية أخرى تعانى الإدارة الضريبية الكثير أوجه الخلل والتعقيدات والافتقار إلى المرونة الأمر الذى يؤدى إلى زيادة معدلات التهرب، وضعف معدلات التحصيل، وزيادة حجم المتأخرات الضريبية.

لكل هذه الأسباب وغيرها كانت محدودية المجتمع الضريبى اذ مازالت هناك العديد من الأنشطة والقطاعات التى لا تخضع للنظام الضريبى المصرى يقع معظمها لدى أصحاب الدخول العليا وأصحاب الثروات بسبب ما يتمتع به هؤلاء من نفوذ سياسى واجتماعى الأمر الذى يمكنهم من مقاومة أى تعديلات تشريعية تحاول أن تمس دخولهم، وخير دليل على ذلك الصخب الشديد والمستمر من جانب هؤلاء عند الحديث عن فرض ضرائب على المعاملات فى البورصة والأرباح الرأسمالية الناجمة عنها ، فعلى الرغم من المحاولات العديدة التى بذلتها الحكومات المختلفة فى هذا المجال، وإصدار القانون المنظم لذلك إلا أن سطوة هؤلاء وقدرتهم على التأثير فى صنع القرار الاقتصادى قد مكنتهم من تجميد العمل به حتى الآن رغم أهميته القصوى فى هذه الظروف الحرجة التى تمر بها البلاد. وينطبق نفس القول على الضريبة العقارية التى ظلت حبيسة الأدراج سنوات عديدة، رغم أنها تفرض على الثروة العقارية، وتطبق فى أغلبية بلدان العالم. وبالتالى أصبح من الضرورى إعادة النظر فى السياسات الضريبية الحالية بغية البحث عن الطاقة الضريبة الممكنة وبما يتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، بحيث يتمكن المجتمع من تحقيق إيرادات ضريبية أكثر دون التأثير على معدلات النمو الاقتصادى ومعدلات الاستثمار أو بعبارة أخرى يجب ألا ترتفع معدلات الضرائب إلى افاق عليا اكثر من اللازم تؤثر على حوافز الإنتاج والادخار والاستثمار والطاقات الإنتاجية وتساعد على التهرب الضريبى أو تفرض أعباء إدارية باهظة، حتى لايكون الأثر النهائى لهذه العملية بالسلب من منظور الاقتصاد القومي.

إذ إن الإصلاح الضريبى الكفء هو الذى يساعد على إيجاد مناخ جيد للاستثمار، مع ضمان تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة، ويوفر الموارد المالية اللازمة لتمويل الإنفاق الاجتماعى فى آن واحد. شريطة أن يتحقق ذلك فى إطار من التنسيق والتناغم بحيث لا يطغى هدف على آخر.فالسياسة الكفء هى التى تتمكن من توليد زيادات فى الإيرادات بما يتواكب مع النمو دون تغييرات متواترة فى معدلات الضرائب أو إدخال ضرائب جديدة. وبعبارة أخرى يجب بذل المزيد من الجهود لتوسيع المجتمع الضريبى بحيث يشمل جميع أصحاب الدخول والأرباح، إلا ما يراه المشرع فى غير مصلحة الاقتصاد القومي، وذلك بدلا من السياسة الحالية التى تركز على زيادة الأعباء على الممولين الفعليين، خاصة متحصلى الأجور والرواتب أو الجهات السيادية، وكأننا نعاقب الملتزم بفرض المزيد من الضرائب بدلا من محاولة الوصول إلى الشرائح المجتمعية الأخرى وهى كثيرة ومتعددة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف