الأهرام
جمال عبد الناصر
القيمة الإعلامية لشعيرة الأذان
إن كلمات الأذان التي تتردد في جنبات المجتمع المسلم داعية إلى الصلاة، تحمل قيمًا إعلامية كبيرة، كي تذكر المجتمع المسلم خمس مرّات في اليوم والليلة، بمواقيت دقيقة محكمة، وكلمات الأذان تمثل شعيرة إسلامية كبرى، وما هي إلا أصول العقيدة التي تشكل للمسلم تفكيره، وتكون تصوُّرَه، وتحدد نظرته وسلوكه.
وما قامت الدنيا لحرب المآذن في سويسرا إلا لما لها من أهمية كبرى في توصيل النداء العظيم؛ لذلك نادت سويسرا بمنع المآذن هناك؛ خوفًا من إقبال الناس على الإسلام، فماذا في كلمات الأذان؟!

الله أكبر "أربع مرّات": إنها إعلان عن قيمة كبيرة يجب أن تستحوذ على وجدان المسلم، فلا يخاف إلاّ الله، ولا يرجو سواه سبحانه، فهو أكبر من المال والجاه والسلطان، وكل عَرَضٍ ينظر إليه الإنسان بحكم بشريته بإجلال وإكبار، إن الله أكبر من كل شيء فهو سبحانه عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.

أشهد أن لا إله إلاّ الله "مرتين": هذا إعلان بجوهر العقيدة الذي يحدد مدى العلاقة بين المرء وربه سبحانه، وبينه وبين الناس، ومضمونها بإيجاز أن المعبود واحد لا شريك له، والبشر سواء في العبودية له، والإذعان لحكمه، وهكذا يتحرر المسلم بالعبودية الصادقة لله من الذل للبشر، كما تتأكد قيمة المساواة التي جاء بها الإسلام.

وأشهدُ أن مُحمدًا رسول الله "مرتين": وهذا إعلام بدور الرسالة الخاتمة في التوجيه إلى الدين الحقّ وتقديم التطبيق السديد له، ومن هنا كان الإيمان بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم لازمةً من لوازم الإيمان.

حيّ على الصّلاة - حيَّ على الفلاح "مرتين": اسم فعل أمر بمعنى أقبل، أي الدعوة المباشرة للمسلمين كي يحضروا لأداء أعظم عبادة فرضها الله تعالى، وهي الصلاة التي تعينهم على مغالبة ابتلاءات الحياة الدنيا: {يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصّابرين} [البقرة: 153].

الله أكبر - الله أكبر - لا إله إلاّ الله.. ختام للأذان بما بدئ به من التكبير والتوحيد.

إن أمّة تسمع كلمات الأذان بهذه الكثرة، وبهذا الاستمرار الرتيب، لا بد أن تكون قدوة في عقيدتها، أسوة في تفكيرها؛ ومن هنا كان للمؤذنين مكانة سامية في مجتمع المسلمين، إنهم طلائع الإعلاميين فيه، ولهذا وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنهم أطول الناس أعناقًا يوم القيامة؛ كما بين صلى الله عليه وسلم أنه "لا يسمع المؤذن إنسان ولا جّن، ولا شجر، ولا حجر، ولا مَدَر إلاّ شهد له يوم القيامة" [رواه البخاري].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله، إنّ المؤذنين يَفْضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل كما يقولون، فإذا انتهيتَ فسل تُعطه" [رواه النسائي وأبو داود].

هذه هي مكانة المؤذنين في الإسلام، ومن أحسن قولاً ممن يهتف بقيم الإسلام الخالدة صباح مساء؟!

بقيت قضية مهمة توضح بُعدًا آخر من الأبعاد الإعلامية لشعيرة الأذان، إذ به يُعرف مجتمع المسلمين، ويستدل على استمساك القوم بمبادئ الإسلام، وكان الفاتحون العظام من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حملوا لواء الدعوة إلى الله إذا أقبلوا على مدينة وسمعوا فيها صوت الأذان علموا أن أهلها مسلمون فكفوا عن غزوهم.

ذكر مجاهد وقتادة في سبب نزول الآية الكريمة: {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تُصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحُوا على ما فعلتم نادمين} (الحجرات: 6) أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل الوليد بن عقبة لجمع الصدقات من بني المصطلق، فتلقوه مرحبين به، فخاف وظن أن القوم قد ارتّدوا ويريدون الفتك به فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بما رأى، فأرسل الرسول عليه الصلاة والسلام خالد بن الوليد الذي وصل إلى هناك وراقب القوم، وسمع الأذان للصلوات الخمس، واستبان له أن القبيلة ما هي إلاّ مجتمع للمسلمين، فأخذ صدقاتهم وسلّمها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

من خلال هذه القصة ندرك قيمة الأذان في الأمة الإسلامية باعتباره معلمًا بارزًا وسمةً دالةً على صلتها الوثيقة بالدين الحقّ.

إن كلمات الأذان شهادة للأمة ما دامت قوية بالتزامها بالمبادئ، مستمسكة بالقيم، كما أنها شهادة عليها عندما تضعف وتهون، وتتخلى عن المثل التي شرفها الله تعالى بها؛ وهي في الحالين إعلام متميز في الأمة المسلمة لا نظير له في أي مكان على وجه الأرض، وسيأتي يوم بإذن الله تعالى تفيق فيه الأمة الغافلة، وتحركها من سباتها أصوات المؤذنين التي تصرخ فيها بكلمة "الله أكبر الله".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف