الوطن
محمد صلاح البدرى
الدواء.. ووزير افتعال الأزمات!!
قيل إن المرء يظل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، ولكن الأمر لدينا يختلف، فالمرء يكذب ويصر عليه، حتى يظل وزيراً، ما يتيح له أن يستمر فى الكذب كما يشاء!! الأمر لا يحمل مبالغة من أى نوع، فقد كان قرار وزير الصحة بزيادة أسعار الأدوية دليلاً دامغاً على أن سيادته يكذب على الجميع منذ فترة ليست بالقصيرة!

لقد صرح سيادته منذ أشهر قليلة بأنه لا زيادة ستحدث فى سوق الدواء، بل وأكد أنه لا توجد أزمة به من الأساس. لقد كانت ثقته وهو يصرح بتلك التصريحات كبيرة، حتى إن البعض قد ظن حقاً أنه لا توجد أزمة، وأن الأمر لا يتعدى كونه إشاعة كمثيلاتها التى نسمعها كل يوم!

لقد صدقته حقاً، وكذّبت ذلك الصيدلى الذى أقسم لى إنه لا يجد مئات الأصناف المهمة لمرضى القلب والسكر فى شركات التوزيع، كم هو كاذب جشع هذا الصيدلى، وهل سيكذب سيادة الوزير؟

ثم كان تصريحه بأن «الأزمة» فى طريقها للحل، وأن الحكومة ستقوم باستيراد الأدوية «الناقصة» خلال أيام!! وهل توجد أزمة؟!، كيف وقد صرحت سيادتك بأنه لا أزمة من الأساس؟!

ثم كان تصريحه المطمئن حقاً بأنه لا زيادة فى أسعار الدواء، وأنه يتعهد بهذا أمام الناس، فصدقته ثانية، وكذّبت الجميع الذين أقسموا لى إن الدواء ستزداد أسعاره خلال أيام وإلا فلن نجده، فلم أتخيل أن يفعلها سيادة الوزير مرتين!

حتى كان قراره الأخير بزيادة أسعار الدواء بنسب متفاوتة طبقاً لأسعاره، والذى أعتقد أنه قرار فريد من نوعه حقاً! الفكرة أنه إذا كانت قرارات السيد وزير الصحة منذ توليه الوزارة تتسم بانعدام المسئولية، فقراره الأخير بشأن رفع أسعار الأدوية يتخطى تلك المرحلة كثيراً، ويتجاوزها إلى مراحل أخرى ربما يمنعنى أدبى عن ذكرها!! لقد قرر سيادته أن الأسعار ستزداد من بداية شهر فبراير!! دون أن يحصر سيادته الكميات الموجودة بالفعل، ودون أن يتفتق ذهنه عما سيؤدى إليه هذا القرار من أزمة كبيرة فى سوق الدواء، ربما لم تتعرض لها البلاد من قبل!

لقد أعلن سيادته عن الزيادة المرتقبة قبلها بفترة، وكأنه يحفز الصيدليات على تخزين ما لديها لزيادة مكسبها!!

لقد غاب عن سيادة الوزير أن الإعلان عن زيادة السعر بعد فترة سيؤدى إلى أن تمتنع الشركات عن بيع الدواء الموجود لديها الآن تماماً حتى تستفيد من فرق السعر، لذا فالأزمة لن تصبح نقصاً فى بعض الأدوية التى أدى ارتفاع سعر الدولار إلى كارثة بها، بل ستتخطاها إلى أزمة فى كل الأدوية!!

المشكلة أن قطاع الدواء المصرى لا يفترض أن يصبح عبئاً على الدولة أصلاً. بل على العكس تماماً، ربما كان فرصة ذهبية لزيادة مواردها الدولارية إذا تم النظر إليه من هذا الجانب، فصناعة الدواء فى مصر عريقة للغاية، ومصانع الدواء المصرية وصل حجم صادراتها يوماً ما فى بداية الألفية الثالثة إلى ثلاثين مليار جنيه سنوياً، ولكن الإهمال الذى تراكم عبر سنوات طويلة أدى إلى انخفاض الصادرات الدوائية إلى ٢٥٠ مليوناً فقط فى العام الماضى! كان يمكن لسيادة الوزير أن يوجه جهده لتنمية صناعة الدواء المحلية، كان يمكنه أن يعترف مبكراً بالمشكلة، ويبدأ فى خطة عاجلة لتشغيل خطوط الإنتاج المتوقفة فى مصانع الدواء الحكومية، حتى يتمكن من السيطرة على السوق، ويمنع الشركات الأجنبية من فرض كلمتها عليه!

ولكنه اختار الحل الأسهل، فقد أنكر وجود المشكلة، حتى تحولت إلى كارثة!!

الصورة تزداد قتامة كل يوم دون أمل فى إصلاح نوعى، ودون أن يتحرك أحد لإنقاذ البلاد من قرارات متخبطة، ودون أن يحاسب أحد سيادة الوزير، الذى يكذب ويتحرى الكذب، حتى يظل وزيراً!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف