د. محمود وهيب السيد
هل ستتغير العادات الإستهلاكية للمصريين ؟
يلحظ الزائرون أو المقيمون لفترة بإحدي الدول الأوروبية ان المواطنين هناك لديهم عادات إستهلاكية تختلف تماماً عما إعتاد عليه المصريون. فالمواطن الأوروبي لا يشتري اي سلعة يحتاجها إلا بقدر ما يحتاجه فقط. فإذا كانت طبيعتها تقبل القسمة علي عدد من الحبات كالتفاح أو البرتقال إشتري عدد منها بقدر عدد أفراد أسرته. أما إذا كانت لا تقبل تلك القسمة كاللحم مثلا إشتري بالجرام أو بالقطعة أو الشريحة. وهو يفعل ذلك مهما كانت مقدرته المادية.. قادر أو متعسر. وإذا ذهب صديقان لمطعم أو كافيتيريا مثلا دفع كل منهما ثمن مشروباته وحده. حتي عرف عندنا هذا التصرف بطريقة الإنجليز في الحساب وإختيار البعض منا لها إذا كثر عدد المشتركين في الجلسة بالكافتيريا أو المطعم.
ولم يكن تلك طباعهم. بل إضطروا لإتباعها وقت ان كانت دول أوروبا جميعها تقع تحت نيران الحرب العالمية الأولي ثم الثانية. وما استتبعه ذلك من إضطرار حكوماتها وشعوبها لتقليل النفقات والإقتصار فيها علي الضروري فقط ودون أية تزيد. ولم لا والبلاد تخوض حربا ضروس وما استتبعها من تبني اقتصاد حرب يتلاءم معها. فالإنفاق اللعام والخاص موجهه بالأساس نحو المجهود الحربي. وقصر غير ذلك علي الضروري فقط. فقل دخول المواطنين وقل ايضاً المعروض من البضائع الإستهلاكية وغيرها. فإضطر المواطنون لشراء إحتياجاتهم علي قدر الحاجة فقط ودون زيادة. ويشتريه في وقت موسمه حيث تكون أسعار السلعة التي يريد شراءها ثمنها منخفض نسبيا ويقوم بتخزينها لديه لتنفعه وقت ندرتها وإرتفاع ثمنها. أو مقاطعة شراء ما يروا ان ثمنه مغالي فيه فيوفر بذلك من نفقاته ويترك الفرصة لغيره ليجد ما يحتاجه ليشتريه. ولقد تبين ان هذه العادة الإستهلاكية هي الأرشد والأنفع للمواطن ذاته فإستمر عليها وباتت عادة إستهلاكية ثابته.
أما في مصر فالأمر يختلف تماماً. فالمصري إذا ذهب لشراء إحتياجاته. لا يضع في إعتباره مقدار احتياجه منها بالضبط. بل يقوم بالشراء وبزيادة. بداع من التباهي أو الفشخرة وحتي لا يقول عليه البائع انه بخيل. او اخذا بالأحوط. فقد تنفع إذا ما احتاجها لظرف طارئ. فيشتري اللحم والخضراوات والفاكهة بالكيلو وبزيادة شوية قائلاً بان ذلك لن يخسر. يفعل ذلك أيا كانت مقدرته علي الشراء ومقدار دخله. فتلك عادة إستهلاكية إعتاد عليها المصريون جميعاً.
وقد عشنا نحن المصريون ظروفاً مشابهة لما مرت به دول أوروبا خلال الحربين العالميتين. فقد انعكست ظروف تلك الحربين علينا. كما اننا عشناها أيضاً طوال فترة النكسة وحتي النصر في 73 وما استتبعه من رفع شعار لا صوت يعلو علي صوت المعركة وتبني إقتصاد حرب يعني التقشف في كل شيء. وكان مسلك المواطن المصري الإستهلاكي شبيهاً نوعاً ما لما كان عليه مسلك المواطن الأوروبي. إلا اننا سرعان ما عدنا لعاداتنا القديمة بعد إنقضاء تلك الغمة ولم نستفد منها شيئاً. واليوم ونحن نخوض ظروفاً مشابهة لتلك ونعيش اجواء اقتصاد حرب حقيقية نجابهها بالداخل والخارج. علي صعيد الإرهاب وإفتعال الأزمات الاقتصادية والحصار الاقتصادي الذي بات يشترك فيه الصديق مع العدو ضدنا. فالسؤال الآن هل ستتغير العادات الإستهلاكية للمواطن المصري لتكون أكثر رشداً وأقل بذخاً في الظاهر لتتناسب مع ما تمر به البلاد.. نتعشم ذلك..