خالد جبر
أضواء وظلال .. حزب تحيا مصر
مرت مصر بتجارب حزبية مختلفة.. بين التعدد والتوحد.. اسمحوا لي باستعراض هذه التجارب قبل أن نطالب بانشاء سنا
حسنا فعل الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما أعلن بوضوح استحالة إجراء الانتخابات البرلمانية ولو المرحلة الأولي منها قبل شهر رمضان. هذا ما قلناه منذ لحظة صدور حكم المحكمة الدستورية العليا حول قانون تقسيم الدوائر الذي استلزم تعديله وإعادة التقسيم.. وهو ما تم أول أمس فقط. وزادت صعوبة الأمر بعد صدور حكم القضاء الإداري بالسماح لمزدوجي الجنسية المقيمين بالخارج من الترشح.. وهي قضية مازالت تنظرها الإدارية العليا وقد تواجه اعتراضات سياسية وشعبية وأمنية. وعلي الأرجح فان هناك قضايا أخري قد تظهر لنا فجأة في ساحات المحاكم لأننا شعب يهوي تعطيل كل شيء.. ولدينا من رجال القانون من هم قادرون علي بناء الشيء وهدمه في نفس اللحظة.. والتعامل مع نفس الأمر ونقيضه بنفس الحماس.
أيا كان موعد الانتخابات البرلمانية التي نتوقع لها ما بين يوليو وسبتمبر.. أو ما بين العيدين الصغير والكبير فإننا يجب أن نتعلم شيئا من التجربة الماضية من عملية الانتخابات التي تمت في يناير وفبراير الماضيين وأجهضت بسبب حكم الدستورية.
أهم ما يجب أن نتعلمه هو أننا لا نملك أحزابا في مصر.. والذي يتحدث عن حزب هو في الواقع يتحدث عن شخص.. فالأحزاب لدينا ترتبط بالشخص أكثر من ارتباطها بالبرنامج والأهداف. طبعا الأشخاص مهمون.. لكنهم مهمون في مرحلة وربما لايكونون كذلك في مرحلة أخري. والبرنامج والأهداف بالنسبة لأي حزب هي التي تعطيه الحياة والاستمرارية.
وبصراحة فان التجربة الحزبية في مصر تجربة مريرة. قبل الثورة كانت هناك أربع جهات تتصارع فيما بينها علي الحكم والسيطرة علي الدولة والاقتصاد.. هناك ملك وحاشية لهم مصالحهم.. هناك وجود عسكري بريطاني له قوته.. هناك أصحاب رأس المال الصناعي وأصحاب الأرض الزراعية بما لهم من أموال وأراض ونفوذ ومصالح.. وأخيرا كان هناك الشعب الذي له أحلام وطموحات اغتصبها كل هؤلاء وأعادت ثورة يوليو ما للشعب للشعب.
التجربة الحزبية التعددية قبل يوليو 52 كانت تجربة منقوصة لأن الشعب لم يكن له فيها دور كبير بفضل مؤامرات القصر والأنجليز والرأسماليين والأقطاع. ووصل الأمر بالخلافات الحزبية إلي حد التجاوز والحرب الباردة ولم تكن هناك وزارة تعيش أكثر من عامين.. بل في نصف عام فقط وهو النصف الأول من عام 1952 تشكلت خمس وزارات منها ثلاث تشكلت في 48 ساعة مما سهل الأمر علي الضباط الأحرار في حركتهم التي أيدها الشعب وسميت بعد ذلك بالثورة.
ألغت ثورة يوليو الحياة الحزبية وحلت جميع الأحزاب.. وتحت مسمي تحالف قوي الشعب العامل الذي سمي بالاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي كانت المشاركة السياسية للشعب من خلال تنظيم سياسي وحيد يجمع كل الشعب ومن خلاله تتم المشاركة الشعبية من خلال الانتخابات.. ومن خلاله أيضا يخرج الوزراء والمحافظون وكل رجال الحكم من اتحاد الطلبة إلي الاتحادات العمالية والزراعية والنقابات ورجال الإدارة العليا والمجالس المحلية ومجلس الأمة.
ربما كان المقصود هو توحيد الجهود وتجميع الرؤي.. وهو ما يطلق عليه الآن تعبير : الاصطفاف. وهوتعبير قد تكون له ايجابيات ولكن له في الوقت نفسه سلبيات عديدة. الإيجابيات تتوافر في لحظات الأزمة والأوقات الصعبة.. وقد مرت مصر في الخمسينات والستينات بما هو أشبه بما نمر به الآن من أزمات داخلية وأخطار خارجية. وما نواجهه اليوم من إرهاب واستهداف لمؤسسات الدولة وقتل منظم لأبناء مصر وحماتها من شباب الجيش والشرطة أمر يبرر الدعوة للاصطفاف وتوحيد الجهود.. فالشعب كله يواجه جرائم الإرهابيين والدولة كلها تواجه مخطط الإرهاب.. أما السلبيات فهي بلا شك واضحة وأهمها تحديد أو تقييد حرية الرأي والتعبير التي هي أولي خطوات الديمقراطية التي يراها الشعب شيئا ضروريا ومهما حتي لو اعتبرها البعض ترفا لسنا بحاجة إليه الآن. وهنا لابد أن نذكر أن الديمقراطية التي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه لم تتحقق في مصر ولا مرة.. إلا في 30 يونيو 2013. يومها اختار الشعب طريقه وصحح تجارب سابقة حتي تجربة ثورة يوليو 1952 وثورة يناير 2011.
فكرة الاصطفاف والتوحد كانت ضرورية في بداية الثورة.. واستطاع الاتحاد الاشتراكي أن يجمع كل قطاعات المجتمع.. ولم تكن هناك فئة مفضلة علي أخري.. الكل وقف في الصف.. الكل أخذ صورة واحدة.. والصورة اكتملت بالرواد مع ناصر وأيدهم في إيديه الشعب ووطنه... وزمنه وعمله... وأمله بطله.... أبو الشجعان.. صور يا زمان.. صور يا زمان.
وعلي مدي أربعين عاما من حكم السادات ومبارك عادت الأحزاب لكن تجربة الحزب الواحد كانت هي المسيطرة.. وهو ما سنتحدث عنه في المقال المقبل.