الصباح
سليمان جودة
رسالة لم يكتبها قاتل السفير
سواء كان الضابط التركى الذى قتل السفير الروسى فى تركيا، مساء الإثنين الماضى، قد لقى مصرعه فى مكان الحادث، أو بقى حيًا، فإن النتيجة واحدة، وهى أن القاتل من بين أفراد شرطة أنقرة، وأن القتيل هو ممثل الرئيس الروسى بوتين فى العاصمة التركية !
وعندما قيل بعد ارتكاب الجريمة بساعة، إن القاتل قد سقط قتيلاً هو الآخر فى مكان ارتكابها، تذكرت على الفور حادث مقتل الرئيس الأمريكى جون كيندى فى دالاس، ٢٢نوفمبر عام ١٩٦٣، فما كاد كيندى يسقط صريعًا وقتها، حتى سقط القاتل معه، برصاصات لم يعرف أحد إلى الآن من أين أتت، ولكن ما نعرفه أن سبب ارتكاب الجريمة قد مات معهما تقريبًا، وأن هذا السبب من حيث حقيقته قد ظل منذ ذلك الوقت، إلى هذه اللحظة، موضع تخمينات، وتساؤلات، وظنون..لا أكثر !
فهل ستظل جريمة أنقرة بغموض جريمة دالاس نفسها ؟!
هناك أشياء بالطبع تميز الجريمة الجديدة، وتضىء الكثير من جوانبها !
صحيح أن كل طرف من الطرفين سواء فى روسيا، أو فى تركيا، قد راح يفسر ما جرى على طريقته، وصحيح أن السلطات التركية قد سارعت واتهمت الجانى بأنه من أنصار جماعة عبدالله جولن المعارضة لأردوغان، وصحيح أنه لا دليل على ذلك حتى الآن، وصحيح أيضًا أن موسكو ستقول كلامًا مشابهًا عمن تتصور أنهم أعداؤها، وأنهم بالتالى وراء مقتل السفير.. صحيح هذا كله..غير أن القاتل لم يترك وراءه فرصة للتخمين، ولا للتوقع، ولا لضرب الأخماس فى الأسداس !
لقد ردد عبارة، أو عبارتين، فى أثناء ارتكاب جريمته، بما لا يترك أى مساحة للكلام المبهم حول الأسباب، فالذين كانوا فى الموقع قالوا إنهم سمعوا منه همهمات تشير إلى أنه فعل ما فعل، من أجل حلب، وانتقامًا لها !
وإذا شئنا الدقة قلنا إن كلامه فور ارتكاب الجريمة، لم يكن همهمة بالمعنى المفهوم، لأن القريبين من مسرح العملية، قد سمعوه يقول العبارة الآتية: لن تنعموا بالأمن ما دام أشقاؤنا فى حلب لم ينعموا به !
وقد علق بعض الذين قرأوا هذه العبارة له، بأنها تشبه إلى حد بعيد تلك الجملة التى كان أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، قد قالها موجهًا إياها إلى الولايات المتحدة.. قال: لن تحلم أمريكا بالأمن ما دام لم يتحقق على الأرض فى فلسطين!
فما المعنى ؟!
المعنى أن الدول الكبرى سواء كانت أمريكا فى حالة فلسطين، أو كانت روسيا فى حالة سوريا، لابد أن تكون على يقين من أن معاناة الشعوب التى تسكت هى عنها، بل تشارك فى صناعتها، لها ثمن فى آخر المطاف، وأن هذا الثمن يظل قائمًا مهما تقادم به الزمن، وأنه يشبه الجرائم التى لا تسقط بالتقادم !
ولا أحد يعرف ما إذا كان القاتل قد عرف وهو فى طريقه إلى ارتكاب جريمته، أن وزراء داخلية ودفاع روسيا، وتركيا، وإيران، كانوا على موعد للاجتماع فى موسكو فى اليوم التالى مباشرة ليوم ارتكاب الجريمة، ولكن إقدامه على فعلته فى هذا التوقيت تحديدًا، ينطوى لابد على رسالة إلى وزراء الدول الثلاث.. رسالة لم يكتبها بيديه، لأنها تظل مكتوبة برصاصاته.. رسالة تقول أنكم يا أيها الوزراء المجتمعون تتقاسمون ما تبقى من حلب، إنما تجتمعون فوق أشلاء وعذابات بشر من لحم ودم فى المدينة الشهيدة !
رسالة تقول إن الذين يتسابقون من أجل الفوز بشىء من النفوذ السياسى فى حلب خصوصًا، أو فى سوريا عمومًا، لن يهنأوا بما يتصورون أنهم فازوا به، لأنهم فكروا فى كل شىء، وهم يتقاسمون، إلا أن يكون هذا الشىء هو أن فى سوريا سوريين، وأن هؤلاء السوريين آدميين !
فكروا فى كل شىء، إلا أن يفكروا فى أن السوريين بشر، وأن الأرض إذا كانت قد خذلتهم، فلن تخذلهم السماء !.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف