أبو الفتوح قلقيلة
تلك أشياء لا تُشترى.. إلا في مصر
بالقطع هي أشياء تُنتهب فقط، ولا توزع على أصحابها من المواطنين المحرومين من خيرات وطنهم، بالضرورة هي أشياء تنتهك في وطن منتهك من بعض كبرائه وهم كثر.. بالفعل هي أشياء كثيرة ومخجلة ومخزية وفاضحة لدولة لا تعترف بدوران عجلة الزمن وبسنة الله في خلقه أو حتى بسنة السيد دارون بحتمية التطور، وبأن هذا العالم لم يعد به أسرار تدوم أكثر من ساعات قليلة.. دولة ما زالت تتفرد عن كل العالم من حولها بتشرنقها حول سيادة الباشا الكبير المقدس الذي لا يستطيع أحد أن يكشف فساده إلا بعد استئذان من هم أكبر منه وأقدم منه قداسة.. دولة الغرانيط العظام والفاسدين الكبار.. دولة هُبل باشا.. واللات هانم.. يقينا تلك أشياء لا تُشترى إلا في مصر أم الدنيا وأشياء أخرى !
ليست المشكلة في وجود فرد واحد فاسد يعمل في مركز نافذ مكنه من الحصول على ثروة خيالية في وطن مفقور أهله، ليست الكارثة في وجود من هم أكبر منه فسادا وقطعا قد انتهبوا أضعاف ما وجدوه عند هذا المتهم، الكارثة الفعلية هي أن أمثال هذا المتهم بالفساد المريع هذا هم المبجلون والمقدسون في هذا البلد الضائع والمنتهب والمنتهك على يد بعض من ساداته ومن معهم.. فلقد خرج يوما أحد الكبار ليعلن بكل جرأة يحسد عليها، إن تلك المناصب النافذة من حق أبنائهم وأحفادهم فقط الذين اختارتهم السماء ليتموا زحفهم المقدس !
وها هو الزحف المقدس الذي احتكر المناصب والثروة والنفوذ والشرف والوجاهة الاجتماعية في مصر قد أتى بثماره التي لا تخطؤها عين، وها هو الزحف المقدس الذي افترض الفساد المحتمل والوضاعة المؤكدة في الفقراء والمكافحين من أبناء الوطن يخرج لنا قليلا من خفاياه بفضل رجال شرفاء في هيئة رقابية لو أتيح لها حرية أكثر ستخرج لنا وقائع يشيب لها الولدان.
ها هو الزحف المقدس الذي جعل من المواطن المصرى المكافح المناضل الفقير مُتهما ولا مجال لإثبات براءته أبدا، يخرج لنا بعضا قليلا من مكنون قداسته ويدهشنا بفرد واحد فقط يمتلك ثروات حرام (مقدسه) تكفى لإطعام الآلاف من الأسر المصرية الشريفة الضعيفة (العادية) في وقت عز فيه وجود سلع أساسية كالسكر والزيت في بيوت الكثرين من شرفاء الوطن، ها هو الزحف المقدس يخرج لنا ثمة قليل جدا من كثير لو تم كشفه لاستغنت حكومة شريف إسماعيل عن إصرارها المقيت على بهدلة المصريين وعقابهم على أنهم انحازوا يوما للدولة المصرية (العميقة) والعتيقة رغم كل مساوئها ضد جماعة الإخوان واليمين الديني!
آه.. لو الفساد بيتكلم.. آه لو الأيام بتتكلم على رأى الست وردة رحمها الله، لقالت عن هذه المرحلة ما في الخمر، وتعجبت من بهدلة المصريين بسبب سياسات نزقة خرقاء جعلت من صندوق النقد الدولى ملاذا آمنا بينما هو مكمن الخطر وبيت الشيطان.. آه لو هناك قليل من إرادة سياسية لمكافحة الفساد واسترجاع ما تم تهريبه خارج مصر من مقدرات المصريين لضاعفت حكومة شريف إسماعيل الدعم بدلا من التغنى به مع عدم وجوده فعليا.. ولكن يبقى أن نؤكد أن تلك أشياء لا تشترى كما قال العم أمل دنقل رحمه الله.. تلك أشياء إما أن تكون نابعة من قلب النظام أو هي مجرد صحوة محتضر فتصبح هي والعدم سواء.
ليس الحل في كشف بعض من الفساد فقط أو فضح بعض من صغاره أو حتى كباره، الحل في دولة مواطنة لا مجال فيها للتمايز على أي أساس اجتماعى أو أسرى وراثى أو دينى أو غيره، الحل والأمل الوحيد في دولة لا تعترف سوى بالمواطنة التامة كأساس أوحد لبنائها، دولة تتيح الفرص للجميع بدون النظر لمهنة السيد الوالد أو شهادة الست الوالدة، دولة لا تعرف بالواسطة والمحسوبية ولا تتغنى بكارت التوصية ولا تنتج هزلا تتغنى به ليل نهار... دولة لا تعرف زحفا مقدسا أو باشاوات مقدسين أو أصنام في القرن الحادى والعشرين.. دولة مساواة وفقط.. استفيقوا يرحمكم الله وإلا صرنا فرجة ومسخرة لكل خلق الله على هذا الكوكب.