مؤمن الهباء
شهادة .. ارفعوا أيديكم عن الدين
عندما يبحث المواطن عن كيلو الأرز فلا يجده.. ويدوخ السبع دوخات علي كيلو السكر فلا يجده.. وينشف ريقه من أجل الحصول علي زجاجة زيت.. ثم يأتي نفر من المتنطعين ليحدثونا عن عدم جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم.. وليلفتونا عن قضايانا الأساسية.. فإننا بعد كل التجارب التي مرت بنا لابد أن نصفهم بما هم أهله.. لأنهم في الواقع متواطئون ومتخاذلون وجبناء.
عندما يتركون مشاكل الناس وهمومهم.. ويشغلوننا بقضايا فرعية فارغة.. هم أول من يعرف أنها ليست من الدين في شيء.. فهم متآمرون علي مصالح الناس.. لم يتجاوبوا معها ولم يتحدثوا فيها.. حتي يصل صوتهم إلي المسئول المنفصل عن الواقع الذي مازال يقسم بأغلظ الأيمان أن كل شيء تمام.. والسلع متوافرة بنسبة 100% والأسعار رخيصة.. والحكومة تقوم بواجبها علي أكمل وجه.. ومتآمرون أيضا علي الدين الذي يتحدثون باسمه.. ويعلنون أنفسهم أوصياء عليه وهم يشوهونه.. ويسيئون إليه أبلغ إساءة.. لأنهم يظهرونه أمام العالم بوجه عبوس كريه.
هل قضية الشعب المصري اليوم هي البحث عن مشروعية تهنئة المسيحيين بأعيادهم.. أو الشغب في السنة المطهرة والبخاري وإلغاء حصة الدين؟!.. هل يصح أن يكون هذا اهتماما ونحن نئن ونشكو من ارتفاع الأسعار وضيق الرزق وشح المياه وسد النهضة.. ونجري وراء العدالة الاجتماعية ونقاوم التغول الحكومي بالضرائب وزيادة الرسوم وتعويم الجنيه وجرائم الإرهاب الأسود والبطالة وسوء التعليم والرعاية الصحية؟!
الشعب المصري "المسلم" لا يعبأ بهذه الخزعبلات المشبوهة التي ترتدي ثوب الدين.. ويهنئ نصفه الآخر "المسيحي" بعيد الميلاد وبكل الأعياد علي مدي العام.. لا ينتظر في ذلك فتوي ولا تصريحا من أحد.. يفعل ذلك من قديم الأزل.. يفعله بالفطرة.. ومن منطلق فهم صحيح لدينه السمح الذي دفع رسول الإسلام - صلي الله عليه وسلم - إلي أن يحتفل بيوم عاشوراء الذي كان يحتفل فيه يهود المدينة بنجاة موسي عليه السلام وبني إسرائيل من فرعون ومن الغرق.. فصامه صلي الله عليه وسلم وأمر المسلمين بصيامه.
واقتداء بنبينا.. نحن نحترم كل من يعيش معنا علي أرض الوطن.. نحترم تقاليده وعاداته الدينية.. ونحترم حريته في أن يمارس شعائره كما يشاء مثلما نمارس شعائرنا.. نحن متساوون في حق المواطنة التي كفلها الدستور والقانون لكل المصريين.. وكل من يحاول اللعب في منطقة الوحدة الوطنية يعتبر خائنا للأمانة وللوطن ولله ورسوله.. فالوحدة الوطنية هي أغلي ما تمتلكه مصر ويمتلكه المصريون.
وعلي الذين يسعون إلي شغلنا عن قضايانا الحقيقية بقضايا أخري أن يكفوا عن ألاعيبهم التي لم تعد تنطلي علي أحد.. وعلي الذين يشاغبون في ديننا بفتاوي غريبة وشاذة أن يستحيوا.. ويتقوا الله في هذا الوطن وفي هذا الشعب.. ويكفي ما أصابنا من تمزق في أواصر العائلات والأسر بسبب الفتن الكثيرة التي ابتلينا بها لأهداف معروفة.
لقد عاش المجتمع المصري قرونا طويلة متآلفا منسجما.. يحترم الدين ويضعه في مكانة عالية.. ولا يجعل منه مادة للفرقة والانقسام والتنازع.. بالعكس كان الدين دوما عاملا إيجابيا في نشر السلام والأمن واحترام الآخر.. وظلت مصر المتدينة هي مصر الآمنة المطمئنة.. الفتن المحدثة هي التي جعلت الدين مشكلة.
والحقيقة أن الدين هو الحل وليس المشكلة.. إن أردت الصدق فإن استخدام الدين وتوظيفه هو المشكلة.. والذين يعمدون إلي استخدام الدين لأهداف سياسية أو حزبية.. أو لشغل الناس عن واقعهم المرير هم الذين جعلوا الدين مشكلة.. ولقد استخدم الدين كثيرا من جانب الأحزاب والجماعات والزعامات.. واستخدم لتشويه سياسات وتسويق سياسات والتمويه علي سياسات وغطاء لسياسات.. ومن هنا صار الدين جزءا من الأزمة وليس جزءا من الحل.. وتحمل الدين في سبيل ذلك إساءات بالغة.
لذلك.. آن الأوان لنقول لكل الأطراف: ارفعوا أيديكم عن الدين.. لا تستخدموه ولا تشوهوه.