التشدد والتسيب مطرقتان نقيضتان يعملان معا دون قصد أو اتفاق لضياع الإسلام.. ظلامان عدوان في كل شيء إلا في التآمر علي الإسلام. علم أهلهما أم لم يعلما.. طرفا حبل متين. كل منهما يشد الآخر تعصباً وجهلاً وكراهية وحقدا.
أهل التعصب والجمود لا يقرأون النصوص بمرادها. وإنما بمرادهم ظنا منهم أنهم يحافظون علي دين الله. ويعملون علي صيانته.. أهل التسيب يتأثرون بغيرهم دون فهم واع أو عقل منصف ظنا منهم أنهم يساهمون في انطلاق الحياة وتقدمها بدافع الكراهية والبغضاء أو بدافع الشهرة والمجد الذي يقوم علي إلغاء الحقائق ومحاربة الثوابت في نهار الحياة واستقامتها.
الإسلام ضحية هؤلاء وهؤلاء.. والناس البسطاء حياري بين عقل توقف وعقل في انفلات دائم لا يجدون لهم مرفأ ولا إخلاصا يلجأون إليه.. وعلماء هذا الدين ومثقفوه يعملون بصوت لا يسمع وجهد لا يشعر به أحد. إذ فتحت الفضائيات لجانب وحيد. تسمع فيه الجلبة. وتنتشر الضوضاء ويدوي الصراخ بلا فائدة. نسي الطرفان أن الوسطية من خصائص الإسلام وركنه الركين بنص القرآن الكريم "وكذلك جعلناكم أمة وسطا". ويقول سيدنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم -إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق.. وما شد الدين أحد إلا غلبه.
الثوابت لا اجتهاد فيها كوحدانية الله - سبحانه وتعالي - الواحد الأحد الفرد الصمد. عالم الغيب والشهادة. الكبير المتعال.. الجنة والنار.. نبوة محمد - صلي الله عليه وسلم - نزول القرآن عليه ليبلغه للناس.. الجن والملائكة.. العبادات جميعها من صلاة وصوم وزكاة وحج.. هذه أمور لا اجتهاد فيها ولا تطوير أما باقي أمور الدنيا وسير الحياة فقد وضع الله لها معايير لا تخرج عنها وغاية هي تحقيق الخير والحق والعدالة وحفظ حقوق العباد وأنفسهم وأموالهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض تجاريا واجتماعيا وسياسيا تخضع للإطار الذي يحقق للمجتمع صيانته وينظم سيره نحو تحقيق العدل المنشود والمصلحة العامة متأسيا بالأعراف الإسلامية التي رسختها العبادات.. فالصلاة مثلا تنهي عن الفحشاء والمنكر وتؤدي إلي رقابة الإنسان لأفعاله فكلما هم بانحراف تذكر أنه خارج من صلاته أو مقبل عليها والصوم والحج امتثال وطاعة لله تعالي وتهذيب للنفس وتعارف ومحبة. والزكاة تعاون وتكاتف ومعايشة لما يحتاجه المجتمع من أن يشد بعضه بعضا واستخدام ما يُلزَم به الأغنياء نحو الفقراء من توفير الحياة الكريمة وصيانة إنسانيتهم إذا استخدمت أموال الزكاة في إقامة مصانع للإنتاج يعمل فيها من لم يجد عملا أو رعاية لمرضي لا يجدون علاجا أو مسكنا لمن لا يقدر علي السكني في مكان ملائم لبشر كرمه الله. وأيضا السعي والعمل الدائب بإعمار الكون إذ أن الزكاة لا تفرض إلا علي القادر فيكون ذلك باعثا إلي العمل للحصول علي أجر عند الله بإتيان الزكاة ومن ثم نقول إن فرض الزكاة حافز مهم ونشيط لدفع الناس إلي السعي للحصول علي الرزق الوفير حتي يتمكن من أداء هذه العبادة التي تبعث تكافل الناس بعضهم لبعض وتراحمهم لبعضهم بعضا فالزكاة إذن لها حكم متعددة.
ومن ثم فإن أمور الحياة المعيشية والاجتماعية والسياسية هي مجال الفقه يدلي فيها الفقهاء بآرائهم واتجاهاتهم وفقا لظروف الحياة وما يجد فيها من مشاكل والوقوف عند رأي واحد لا حياد عنه واعتباره ديناً هو جمود وتحجر دون مبرر وتضييق علي العباد وأيضا الهجوم عليها لإلغائها لا مبرر له سوي تضليل الناس بغرض سييء وهو النيل من الإسلام بنبذ آراء الفقهاء. فإن تحقير التراث كله والسعي نحو هدمه بقول صريح أنهم جاءوا لهدم التراث وقول أحدهم عن المولي عز وجل - حاشا لله - أنه لم يتخيل أن يقول الفقيه الفلاني كذا أو يأخذ برأي كذا متهكما علي علماء الأمة وشيوخها وصولا إلي الحط من شأن الإسلام وعلمائه. فذلك مرض يبتغي أن يشفي منه قبل أن يستشري مرضه بين مستمعيه.. ولا يكون ذلك إلا بشرح الإسلام بأسلوب مبسط ومنهج تربوي سليم واستخراج حكمة الإسلام وعظمته في تربية البشر دون أن يكون ذلك علي حساب ليّ الحقائق لعدم إغضاب عقول المتسيبين ولتكن منا أمة عاقلة تدعو إلي الخير وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر بأسلوب سهل مبسط وبفكر صائب محب للحقيقة يسعي إليها دون كلل. وفي كتابات كثيرة نفع للطرفين المتشدد والمتسيب مثل كتابات الأستاذ العقاد الإسلامية. والشيخ العلامة محمد الغزالي. والإمامين محمد أبوزهرة وشلتوت. وعشرات غيرهم أفادوا الأمة الإسلامية وأبرزوا عظمة الإسلام ودافعوا عنه بعقل متقد. وفكر منظم. ومن يقرأ كتب الشيخ الغزالي رحمه الله. يجد فيها إيضاحا جميلا وتفسيرا مفيدا لعظمة الإسلام وردوده علي المتحجرين والمتسيبين.