نبيل فكرى
مساء الأمل .. 95 مليون صحيفة!
زمان.. أيام دراستنا للإعلام علمونا أول ما علمونا ضرورة تحري الصدق والتحلي بالمسئولية الاجتماعية كركيزتين أساسيتين للعمل الصحفي وكتابة الخبر والتحقيق والحوار وكافة صنوف المهنة ومع ذلك درسنا التشريعات الصحفية عن عقوبات تجاوز تلك الأعراف المهنية والتي كانت تمثل رادعاً لكل من تسول له نفسه ان يحيد عن جادة الصواب وبعد أن عملت في المهنة بات الأمر مرعباً لي وأحياناً كنت أعاود الاتصال بمصدر لأستوثق من كلامه مرة أخري وحتي في الموضوعات العامة والاحتفاليات والمناسبات التي لا تنفع ولا تضر وحين كان يطلب المصدر أن أكتب علي لسانه ما أري كنت أصر علي أن أقرأ عليه ما كتبت ليجيزه.
الآن بات في مصر 95 مليون صحيفة بعدد سكانها.. من شاخ ومن لازال طفلاً يحبو.. جهز له والده صفحة باسمه وبات كل من في مصر صحفيين وإعلاميين لكنهم للأسف ليسوا محصنين بتلك الهواجس التي حصنتنا وما يكتبون غالباً ودائماً هي انطباعاتهم وحروبهم الخاصة التي لا مكان ولا مجال فيها لوجهة نظر أخري.
إعلام المواطن المنطلق في فضاءات الكون دون حسيب أو رقيب بات يمثل تهديداً وخطراً حقيقياً علي السلم الاجتماعي ولا يمكن الدفاع عنه "عمال علي بطال" بداعي الحرية لأن كثيراً مما فيه ليس حرية علي الاطلاق. كما أنه اختطف الإنسان من ذاته ومن قيمه ومن أخلاقياته. فمن كان يتصور منذ سنوات أن رجلاً مات أبوه لديه وقت ليصور والده علي فراش الموت ويكتب "مات أبي". ومن كان يتصور أن رجلاً نجا لتوه من حادث لديه بقية من تماسك ليصور سيارته وجروحه ويكتب "نجوت الآن من حادث أليم". ويصورون أنفسهم في الصلاة وفي العمل وفي غرف الأشعة وفي الحمامات في هوس لا يمكن تصور مداه ولا تطوره خلال الأعوام القادمة.
أذكر مرة أنني كتبت في صحيفتي عن مباراة وأشرت إلي ان الحكم ظلم أحد طرفيها. وانه سيتم إيقافه عدة شهور وفي اليوم التالي رفع الحكم دعوي قضائية ضدي وضد رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير ورئيس القسم الرياضي وظلت متداولة لعدة شهور وكلت فيها الجريدة ستة محامين وأثبتنا في النهاية أن ما كتبناه كان الحقيقة. ودعمنا موقفنا بقرار إيقاف للحكم من لجنة الحكام لأخطائه في تلك المباراة.. كل ذلك لأنني قلت إن حكماً ظلم فريقاً.. اليوم الكل يقول ما يشاء ويسب من يشاء عبر صحيفته الخاصة متباهياً بعشرة "لايكات" وخمس "كومينتات" علي "كام شير".. يسبون الجميع دون خوف من حسيب أو رقيب والمدهش أنهم أخذوا من الصحافة أسوأ ما فيها. فعرفوا كيف يرمزون لذاك بحرف أو صفة. وكيف يقولون كل شيء عمن يريدون سبه. دون أن يذكروا اسمه وعبر متاهات "السوشيال ميديا" اختلط الحابل بالنابل وبات "الفيس بوك" تحديداً ساحة للصراع والشتائم والاتهامات إلا ما ندر ممن يحترمون أنفسهم وممن يتحرون الصدق فيما يكتبون وممن لم يجدوا غير "الفيس" ساحة لكشف فساد أو تصويب واقع.
لا يمكن أن نمضي طويلاً ولا كثيراً في هذا الطريق ولا يمكن أن نتعايش ونحن نكره بعضنا لهذه الدرجة ومع إقراري بأن الإعلام ـ خاصة في فضائياته ـ مسئول بنسبة كبيرة عما نعاني فلا أدري إلي أين تقودنا كل تلك النوافذ التي تطل علي "مقالب زبالة".
** ما قبل الصباح
ـ اكتب ما تود أن يكتبه الناس عنك.. حتي في أخطائك قل: كيف تود أن نراك.