مؤمن الهباء
شهادة .. عام زلزال التعويم
أعجب أشد العجب من بعض المحللين "الاقتصاديين" الذين يتفاخرون بأن أهم أحداث عام 2016 كان حصولنا علي قرض صندوق النقد الدولي المقدر بـ12 مليار دولار.. بعد أن كنا قد حصلنا منذ عام 1977 علي قرضين من هذا الصندوق يقدر كل منهما بالملايين. وليس بالمليارات. مثل القرض العظيم "الأخير".
لم يقل هؤلاء إن هذا القرض الثقيل سيشكل عبئاً رهيباً علي اقتصادنا الوطني وعلي أجيالنا المقبلة لسنوات طويلة.. وإنما راحوا يقرظونه ويمجدونه.. ويشرحون كيف حصلنا عليه بجهد جهيد. مثلما تحصل ـ مثلاًـ علي كأس أفريقيا.. أو علي ميدالية ذهبية في الأولمبياد.
ولا أدعي لنفسي إلماماً بالقضايا الاقتصادية ومعادلاتها مثل هؤلاء المحللين العظام.. لكنني أعرف كما يعرف الناس جميعاً أن الحصول علي قرض أياً كان مصدره. ليس فتحاً عظيماً ولا نصراً مبيناً.. وأن الدَّيْنَ همى بالليل ومذلة بالنهار.. سواء أكان للأفراد أو للدول.
وأقصي ما يمكن أن يكون من ميزات في قرض صندوق النقد الذي كان يتندر عليه الناس ويبغضونه. ويسمونه "صندوق النكد" أنه يعطينا شهادة بأن اقتصادنا مازال قادراً علي الانتعاش.. وأننا في مرحلة تسمح لنا بالبناء والتنمية والاستثمار.. ولو كان اقتصادنا قد وصل إلي الموات ما أعطانا الصندوق دولاراً واحداً.. لأنه لا يتصدق علي الشعوب.. بالعكس هو مثل المرابي اليهودي تماماً.. يعطي القروض ليمص دماء الشعوب.
لكن.. تظل الحقيقة قائمة.. وواضحة وضوح الشمس.. وهي أنه ليس هناك دولة تبني نفسها بالقروض.. ونحن بصراحة أسرفنا في القروض الخارجية حتي صرنا علي حافة الخطر.. لابد أن نواجه أنفسنا بذلك.. حتي نراجع موقفنا ألف مرة قبل التفكير في مد يدنا من جديد إلي مزيد من القروض. مهما كانت مغرية.
أعرف أن اقتصادنا يعاني من قبل ..2016 لكن المعاناة في هذا العام زادت بشدة بسبب قلة النشاط التجاري والموارد. وتراجع عائدات السياحة وإيرادات قناة السويس. وتحويلات المصريين بالخارج وانهيار العملة الوطنية وتفجر العديد من الأزمات في القطاعات الاقتصادية والحيوية والاحتياجات الأساسية للأسر المصرية وارتفاع الأسعار بمعدلات رهيبة وتوقف كثير من المصانع عن العمل.. لكننا جميعاً كمصريين نعرف أن الحل ليس في القروض. وإنما في تبني سياسات مغايرة تفتح كل الأبواب أمام الاستثمار. وتتيح للناس الفرص الكافية للعمل والإنتاج وتغلق أبواب اللهو والفساد والاستيراد العشوائي.
كانت لدينا استراتيجية معلنة قبل عام ..2016 وهي أن الدولة لن تستدين إلا بهدف الاستثمار.. ولن تسمح لأي جهة بالاقتراض إلا إذا قدمت هذه الجهة دراسات وضمانات لكيفية استخدام هذا القرض. وقدرتها علي السداد من خلال الأرباح التي ستدرها المشروعات الاستثمارية التي دخل القرض فيها.. لكن بعد التقلبات الكثيرة التي حدثت خلال عام 2016 لا أظن أن هذه الاستراتيجية مازالت قائمة.. فقد صرنا نقترض من أجل سد عجز الموازنة العامة للدولة. وليس من أجل الاستثمار.. وصارت وزيرة التعاون الدولي تتفاخر بكل قرض جديد تحصل عليه دون أن تتحدث عن كيفية سداده!!
بالنسبة لي.. ولشريحة عريضة من أبناء الشعب المصري.. كان زلزال تعويم الجنيه هو الحدث الاقتصادي الأهم في عام ..2016 لم نحصل علي علاوات ولا امتيازات. وإنما خسرنا بسبب هذا التعويم اللعين أكثر من 60% من قيمة الجنيه الأصيل الشريف النظيف. الذي لا نعرف سواه.. وكانت آثار هذا الزلزال المدمر ـ زلزال التعويم ـ تؤلمنا في كل اتجاه.. أينما ذهبنا لنشتري احتياجاتنا ترتفع في وجهنا لافتة كبيرة تقول: لسنا مسئولين عن ارتفاع الأسعار.. اسألوا مَن رفع سعر الدولار من 8 جنيهات إلي 20 جنيهاً.. اسألوا مَن خسف بالجنيه الأرض وأفقده قيمته.
لذلك نرجوكم.. ليكن قرض صندوق النقد هو آخر القروض.. وليكن زلزال التعويم هو آخر الزلازل.