الجمهورية
عبدالحليم طه
ذكريــــــات.. ياســـــــــت!
"ذكريات ياست" لوحة كاريكاتورية ناطقة بشعر العامية رسمت كلماتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي كانت وستظل قدوة لكل فنان وسنظل نحفظ الأغاني والقصائد التي تغنت بها عن ظهر قلب.. فأم كلثوم أثرت بصوتها تراثنا الفني من الطقطوقة والدور والموال وغنت وتغنت بكل ألوان الطرب إلي أن عرف البسطاء من الناس كبار الشعراء من خلال القصائد الكثيرة التي تغنت بها فأسهمت كثيراً في ازدهار الشعر بين العامة لتسمو بهم وترتفع بذوقهم وتذوقهم للشعر ليحفظوه ويرددوه معها سهلاً وهو ملحن بأدائها العبقري.. نذكر أطلال ناجي.. وأبو فراس الحمداني "أراك عصي الدمع"..و....!
أما كلمات اللوحة التي رسمت فيها الست:
"ذكريات ياست.. أنا والواد الكبير وأمهم والبت.. وعيال الجيران وأبوهم وأمهم".
أول خميس في عز الشتا نتجمع.. نبات سهاري.. متدفيين بصوت الست..
حوالين الراديو الكبير الخشب.. ونطفي النور.. وننوَّر مسامعنا بصوت الست.. وصوت العرب يجلجل فينا يخلينا نقول الآه.. ويَّا آهات الست.. لا كان أيامها تليفزيون.. ولا بلاك بيري.. ولا كان فيه نت.. مانامشي لغاية الجمعة ما نصليها.. ونستني آمال فهمي علي الناصية.. أو علي القهوة.. نِسمَّع أغاني الست".
***
تبلغ سعادتي مداها حينما أسهر مع صديقي الفنان د.سامي الروبي في بيته حتي الصباح وهو يعزف أجمل الألحان التي تغنت بها أم كلثوم علي "الكمان" الآلة الموسيقية التي يعشقها ويتغزل يها ويقول: إنها أنثي الآلات الموسيقية التي أحتضنها بعشق ولا أنام إلا وهي بجانبي وبين أحضاني فلا أفارقها ولا تفارقني لحظة واحدة!
يمتد بنا السهر مع عشاق الست أم كلثوم حتي الصباح ما بين العزف وحديث الذكريات منذ أن جاءت القاهرة واحتضنها الشيخ أبو العلا محمد وتبني موهبتها إلي أن أحاط بها كبار شعراء الفصحي والعامية وأباطرة الموسيقي وكلهم صقلوا موهبة الآنسة أم كلثوم وشكلوا بناء شخصيتها لتصبح هرماً رابعاً في مصر المحروسة.
ويحكي سامي الروبي عن سبب التحاقه بالكلية الحربية بعد تخرجه من الكونسرفتوار فيقول: أصابني الاكتئاب والحزن الشديد بعد هزيمة ..67 فارتميت في حضن الست باكياً وقلت لها "أريد الدفاع عن مصر".. قالت له: "دافع عنها بفنك".. فقال: "أريد أن أدخل الكلية الحربية".. قالت له الست والدته التي لم تلده: وفنك يا سامي؟.. أبوك لن يوافق لأنه أعد لك السفر إلي لندن لدراستك الفنية لتعود بعدها قائد أوركسترا ــ حسن الروبي عازف كمان بفرقتها وظل وراءها يعزف إلي أن لقي ربه.
يرد سامي: "الدفاع عن مصر أهم من الفن ومن أحلام أبويا"!
تتصل أم كلثوم بالرئيس جمال عبدالناصر تليفونياً وتحقق رغبته.. وبعد ستة شهور يتخرج الملازم أول سامي الروبي من الحربية ليلحق بأقرانه من الضباط إلي خط القناة في جبهة القتال وحرب الاستنزاف ضد العدو الإسرائيلي التي مهدت لانتصارات أكتوبر.
تفيض أعين سامي بالدموع وهو يقول: كنا نحارب علي الجبهة.. والست بتلف العالم بحفلاتها لصالح المجهود الحربي وإعادة بناء القوات المسلحة.
ثم نتذكر معاً عندما عادت إلي مصر بعد رحلاتها وسجلت قصيدة "أصبح عندي الآن بندقية".. إلي أن اقتحمت قواتنا المسلحة خط بارليف ورفع الجندي المصري علم مصر فوق سماء سيناء الحبيبة لترتفع معه رؤوسنا جميعاً بنصر أكتوبر المجيد.
ذكريات الروبي مع الست لا تنتهي وكانت في سهرات وسهرات.. نستكملها إن شاء الله في الأسبوع المقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف