الجمهورية
بسيونى الحلوانى
رحم الله الفقيه الكبير .. د.محمد رأفت عثمان
لم يكن العالم الأزهري الكبير د.محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء - الذي رحل عن عالمنا منذ أيام - مجرد استاذ في الشريعة الإسلامية بل كان عالما واستاذاً من طراز فريد جمع بين العلوم الشرعية والإلمام بالعلوم العصرية مما ساعده علي اجتهادات دقيقة ومعتبرة في العديد من القضايا الحياتية وفرضت اجتهاداته الفقهية نفسها علي اساتذة الفقه المقارن في العالم العربي كله والذين كانوا عرفوا قيمة الرجل وقدروا اجتهاداته الفقهية.. كما فرض العالم الراحل نفسه علي العديد من المجامع الفقهية فنال عضوية العديد منها وكان لأبحاثه الفقهية واجتهاداته المتميزة دور كبير في ترسيخ رسالتها وابراز جهودها.
منذ 25 عاماً تقريباً التقيت للمرة الأولي بالعالم الكبير في كلية الشريعة والقانون بالقاهرة لإجراء حوار صحفي وفوجئت به يبادرني قائلاً: "لولا انني معجب بكتاباتك وثقافتك الشرعية وشجاعتك لاعتذرت لك حيث لا أفضل الحوار مع محدودي الثقافة الإسلامية" فشكرته علي مشاعره الطيبة ومجاملته الرقيقة وأجريت معه حواراً ممتعاً بعد ان تيقنت انني جالس مع عالم موسوعي يتمتع بالوسطية والاعتدال وبالشجاعة في اجتهاداته والتعبير عن رأيه ولا يتطلع الي منصب او مظاهر فارغة من وراء علمه.
في حواري الأول سألت د.عثمان: ألم يحن الوقت لتتولي منصبا قياديا في الأزهر؟ فضحك الرجل وقال: لا ينبغي ان يفكر العالم او الاستاذ الجامعي في مناصب ومهام رسمية والمناصب القيادية لا تضيف جديداً الي اسم العالم وأسهمه. بل قد تنتقص منه.. ولذلك لا أفكر في اي منصب ولا أتطلع إليه ولو عرض علي ما يعوقني عن مهامي العلمية ورسالتي مع طلابي فسوف اعتذر عنه.
ورغم ان د.عثمان تولي عمادة كلية الشريعة والقانون في القاهرة ومن قبلها في طنطا إلا ان هذه المهام لم يكن يعتبرها مناصب قيادية. بل كان ينظر إليها علي انها مهام تنظيمية بين زملائه الاساتذة وطلابه ولذلك تولاها وتركها بلا خسائر بعد ان أضاف الي منصب عميد الكلية ما كان يحتاجه من هيبة ومكانة وحسن إدارة.
لم نسأل د.عثمان في قضية من القضايا الشائكة فيتحفظ خوفا من مسئول في الأزهر أو خارجه. ولم نوجه إليه سؤالا يحتاج الي إجابة واضحة وصريحة بعيداً عن الموازنات السياسية فيتهرب كما كان يفعل الكثيرون.. بل كان - رحمه الله - ملاذا للباحثين عن الحقيقة يعلن موقف الشرع صريحاً في كل القضايا والاحداث دون ان يخشي في الله لومه لائم.. ولذلك استحق احترام الجميع في الوسط الإسلامي داخل مصر وخارجها.. كما حظي باحترام وتقدير كل الإعلاميين الذين تعرفوا عليه وادركوا قيمته العلمية.
هذا كان شأن علماء الأزهر الذين تفرغوا للعلم. وأخلصوا في البحث والاجتهاد. وربوا اجيالا من الباحثين والدعاة والمدرسين الشرعيين.. وفي مقدمة هؤلاء العلماء المخلصين للعلم وللجامعة العريقة التي ينتمي إليها إسم د.محمد رأفت عثمان العالم الموسوعي الذي اخلص لدينه ولوظيفته العلمية ولطلابه فاستحق عن جدارة لقب "فقيه" وكان جديراً بأن يصفه الأزهر في نعيه بكلمات وأوصاف لها قيمتها في ميزان العلماء الأفذاذ.
***
منذ ثلاثة أعوام تقريباً اتصل بي العالم الكبير وسألني: قال قرأت المقال الأخير لفهمي هويدي؟
قلت له: توقفت عنپمتابعة كتاباته بعد ان تحول إلي محرض علي الفوضي ومشكك في كل شيء؟
ضحك د.عثمان وقال: رجاء ان تقرأ مقاله الأخير عن الأزهر وشيخه وترد عليه.. ففهمي هويدي لا يعرف شيخ الأزهر الحالي ومواقفه وزهده في المنصب لكي يوجه له هذه الاتهامات.. هذا الرجل - يقصد د. أحمد الطيب - حمي الأزهر بعد الثورة من كثير من المصائب وينبغي علي هويدي ان يكون موضوعيا ويتوقف عن هواه السياسي وكراهيته للأزهر.
شكرت د.عثمان علي اتصاله وعلي غيرته علي الأزهر وموضوعيته في التعامل مع شيخه وحاولت ان اخرجه من أجواء الغضب من كتابات هويدي غير الموضوعية ولم أفعل - للمرة الأولي - ما طلبه مني وحثني عليه وهو الرد علي هويدي لإيماني بأن ما يكتبه هويدي لا يستحق القراءة ولا التعقيب.
كان رحمه الله غيوراً علي دينه.. مدافعاً صلبا عن أزهره.. منصفا يعطي كل ذي حق حقه.
رحم الله د.عثمان وأسكنه فسيح جناته جزاء ما قدم لدينه ووطنه وأخلص مع طلابه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف