الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
الغرور بالنعمة
لم يكن يتوقع أو حتي يظن أبعد الظن ان غروره ونزقه سيؤديان به إلي الوقوف في قفص الاتهام بمحكمة الجنايات.
ذهب إلي السعودية ليعمل محاسباً في إحدي الشركات واستمر في عمله هناك مدة عشر سنوات. ليعود بعدها ويبني عمارة شاهقة من عدة طوابق واستثمر ما بقي معه من مال في استغلال مزرعة كبيرة ملحق بها مزرعة للدواجن. يعمل بها عدد من أقاربه الذين أحوجهم الزمن إلي العمل لديه.. ظن انه بذلك أصبح مطاعاً أمره. مستجاباً طلبه. بسط سطوته علي كل من حوله. وخاصة ذوي الحاجات. وضعفاء الحال.
في ظهيرة يوم قائظ لم يستطع الخلود إلي نوم الظهيرة بسبب استخدام نفير سيارة يصلحها كهربائي السيارات المجاور لعمارته. بكل صلف وكبرياء نادي من شرفة منزله علي من يطلق النفير "كلاكس" قائلاً: "يا حمار ياللي بتضرب الكلاكس" رد عليه الآخر: "أنت الحمار" التهب غروره ودفعه غضبه إلي ان يسحب سلاحه الناري وينزل من الطابق الخامس ليفاجئ ذلك الآخر باطلاق عيار ناري صوب جانبه. ليصيبه إصابة مباشرة تؤدي إلي استئصال احدي كليتيه وعمود الفقري مما أفقده الاحساس بالنصف الأسفل من جسده.
تولت النيابة التحقيق مع المتهم واستمعت إلي شهود الاثبات ومنهم صاحب محل كهرباء السيارات.
الا ان غروره وصلفه نتيجة ما جناه من أموال زينا له ان بامكانه الهروب من العقاب وتغيير الحقيقة فاستأجر بعض الاشقياء المشهورين في المنطقة بالبلطجة ليقوموا باختطاف الشاهد الرئيسي في القضية "كهربائي السيارات" ويودعه مزرعته يجري تهديده وبث الرعب في نفسه هادفاً إلي تغيير أقواله في التحقيقات واتقاء لشره ذهب الشاهد سالف الذكر إلي النيابة ليغير أقواله إلي الشهادة بأن المتهم لم يكن موجوداً علي مسرح الجريمة. وان من اطلق الرصاص علي المجني عليه شخص آخر. وتواجهه النيابة بأقواله السابقة وشهادة باقي الشهود فلم يستطع ان يبرر تراجعه والحق دائماً هو السياق إلي الظهور. والظلم دائماً إلي زوال. فلا يكون له مصير سوي ان تقدمه النيابة إلي المحكمة بتهمة شهادة الزور لينال جزاءه.
أما ذلك المغرور فقدمته النيابة إلي محكمة الجنايات ليحاكم عما ارتكبه في حق المجني عليه بأحداث عاهة مستديمة عمداً وقف المتهم بقفص الاتهام بكامل اناقته موكلاً للدفاع عنه واحداً من كبار المحامين وأشهرهم في البلاد. يرتدي نظارة شمسية - رغم ان القاعة لا تدخلها الشمس - ممسكاً بمجموعة من الأوراق يوجه المحامي الكبير في دفاعه ويشير عليه بالنقاط التي يريده التحدث فيها وقد سمحت له المحكمة بذلك وكلما انتهي الدفاع من نقطة نبهه إلي نقطة أخري. وهكذا دون اعتراض من الأستاذ المحامي.
انتهت المحكمة من سماع المرافعة وبعد المداولة إلي الحكم بمعاقبته بالسجن وإلزامه بالتعويض المدني المؤقت وفق طلبات المدعي بالحق المدني.
يعود بعد شهرين من تاريخ صدور الحكم لتنظر المحكمة في اشكال قدمه.. وقد نفض عن نفسه غروره القاتل والمحكمة لم تجد في اشكاله سبباً جديداً لايقاف تنفيذ العقوبة حتي الفصل في النقض. يبكي نادماً علي فعلته. وقد آمن ان الانسان لا يحصنه الشر ولا يحميه الغرور بالنعمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف