الأهرام
صبرى الموجى
أضغاث أحلام !!
خرج الفاروقُ عمرُ بنُ الخطاب يوما إلى السوق يتفقدُ أحوال الرعية، فإذا به يُبصر إبلا سمانا، وبجوارها نوقٌ هزيلة ( جلد على عظم )
فسأل لمن هذه الإبلُ السمان؟ فأخبروه بأنها إبلُ ابنه عبد الله ابن عمر، فاستدعاه وسأله عن مصدرها فأجابه بأنها إبلُه اشتراها من حُر ماله وأرسلها إلى المرعى لتسمن ويبيعها، مثلما تفعل بقيةُ الناس، فعنفه عمرُ قائلا : وإذا رآها الناس يقولون : ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، واسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو مالك، ثم انتفض مُغضبا وقال لابنه اذهب إلى السوق وبع الإبل وخذ رأس مالك ورد الربح لبيت مال المسلمين.
قصةٌ تصور مدى ورع عمر وحرصه على مال المسلمين، إذ إنه ملكيةٌ عامة لا ينبغى لأحد استغلالها لمصلحته الشخصية حتى وإن كان أكبر رأس فى الدولة.

ورغم أن هذه القصص ومن قبلها النصوصُ القرآنية والأحاديث النبوية تلقى قداسة من المسلمين إلا أنها قداسةٌ نظرية يندر تطبيقها على أرض الواقع، لحد يُمكن القول معه بأنه: صار الناسُ فى واد، وتلك النصوص فى واد آخر، وهذا ما تؤكده حادثة الرشوة الأخيرة المتورط فيها مدير المشتروات بمجلس الدولة والذى استولى على ما يزيد على 150 مليون جنيه.
إننا فى دولة حباها الله بمقومات كثيرة أسهمت فى عبقريتها التى تميزت بها عن سائر الأمم، وبفضل تلك العبقرية شيد المصريون حضارة كانت ومازالت مثار إعجاب العالم أجمع، وجئنا نحن وبدم بارد نتفننُ فى هدمها !
وذلك عبر سلوكيات ذميمة طفت على السطح وعكرت نبع حياتنا الصافى، يأتى على رأسها ما يُسمى بالرشوة، التى وردت فى تحريمها آيات وأحاديث كثيرة لخطورتها على الفرد والمجتمع، إذ إنها تُفسد الأخلاق وتؤصل النظرة النفعية، كما أنها تقطع رباط المحبة بين الأفراد، وتُمكن للمفضول مع وجود من هو أفضل منه، فضلا عن أنها تُرسخ لعقيدة اليأس والقنوط، بعدما يرى صاحبُ الحق أن حقه يضيع، أو يذهب لمن هو دونه.
إن الرشوة جريمة نكراء، تذهب معها الأخلاق أدراج الرياح فلابد أن تواجه بكل صرامة من قبل الدولة، بتغليظ العقوبة، وتفعيل الرقابة اللصيقة على كل مسئول بالدولة، مع عدم بقاء أصحاب المناصب وثيقة الصلة بالتعاملات المادية فى أماكنهم فترات طويلة؛ لنُفوت عليهم فرصة التربح من مناصبهم، مثلما فعل المسئول السابق.
وأخيرا أقول: إننا فى مرحلة بناء تتطلب تضافر الجهود وبذل العرق ومحاربة الفساد بكل أشكاله، وفى مقدمته الرشوة، وإذا لم نفعل ذلك ستبقى رغبتُنا فى التنمية مجرد أضغاث أحلام .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف