المساء
محمد عمر
ع الطريق.. .. وجاهين فيلسوفاً!!
قال عن نفسه في إحدي رباعياته:
أنا شاب ولكن عمري ألف عام..
وحيد ولكن بين ضلوعي زحام..
خايف ولكن خوفي مني أنا..
أخرس ولكن قلبي مليان كلام..
غير أن صروف القدر التي تأتي دائما بما لا يشتهي البشر. لم تمهله أن يعيش سوي 56 عاما فقط. عاشها بين الخوف والسعادة والأمل والحزن. ورغم الاكتئاب الذي غلف البقية الباقية من عمره القصير. فقد عاش ذلك العمر كألف عام بالفعل. فملأه حبا وعشقا وفنا. ونضجت ووضحت فيه مواهبه المتعددة. شاعرا ورساما وصحفيا وممثلا.
إن معظم من تعرض للعملاق صلاح جاهين من نقاد. قد ركز أشد التركيز علي مواهبه التي سبق وذكرناها. لكن القليل منهم من تطرق الي الفلسفة في أعماله الشعرية. وخاصة الرباعيات منها. فهي ذات نزعة فلسفية بطريق غير مباشر. ولذلك كانت هي أفضل القوالب للشاعر الفيلسوف الذي يعرض علينا مذهبه. وفي ومضات متألقة. لا في بحث فقهي أو بتتابع منطقي.
والعم جاهين. لم يكن فيلسوفا بالمعني المتعارف عليه أو بالمعني البحت للكلمة. فلم يكن ذا مذهب فلسفي ينسب اليه كالأرسطية مثلا أو الديكارتية. غير انه كانت تنتابه الحيرة الشديدة التي كانت تنتاب الفلاسفة. وكان يكثر من التساؤلات عما حولنا من أشياء. فتناول في أشعاره ـ بصفة عامة ـ ما تناولوه من موضوعات مختلفة. كالمثالية والعقلانية. والزمان والمكان. الإلحاد والايمان. الحق والخير والجمال. السياسة والمعرفة. الوجود والعدم.
ذلك الشاعر الفيلسوف الذي تكلم في رباعياته عن تأملات عميقة بلغة سهلة وتلقائية. يدين للوركا وبول إيلوار كما يدين لشوقي وبيرم التونسي. وفي تلك الرباعيات نجد صدي الحكمة التي وعاها من تجربته في الحياة وتمثلها من قراءاته لسارتر ونيتشه وألبير كامي.
ورغم عاميتها الواضحة وانتمائها الصريح للغة بسيطة يتحدث بها الناس في البيوت والمقاهي. فإنها حوت عمقا ونفاذا لا حدود لهما ليصبح مثل أبي العلاء المعري. واحدا من أولئك النفر الذين جمعوا بين الحكمة والابداع ومزجوهما في كأس واحدة. وكأنما شعر ولا فلسفة وكأنما فلسفة ولا شعر. فظل فليسوفا دون استعلاء أو تعقيد.
وفي ذكري ميلاده. نهديه رباعية متواضعة من إبداعنا. الذي لن يطاول إبداعه أبدا. عساها تكون اعترافا بأستاذيته:
بترقص ليه يا قلم وانت بتكتب..
يا ولدي عن عمك جاهين أنا بكتب..
عملاق بيرفرف كما العصفور..
في الخيال الواسع ما شاء يكتب..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف