الوفد
علاء عريبى
شوربة كوارع
تخيلوا وجبة الكوارع وصل ثمنها ثلاثمائة جنيه، والله بعقد الهاء أكلنا وجبة كوارع وطلب منا ثلاثمائة لحلوح، وإن كنتم غير مصدقين أحكى لكم: قبل يومين التقيت والكاتب الصديق محمد أمين، وكالعادة فكرنا فى نوعية الطعام الذى سنتناوله كوجبة غداء، وكانت الساعة قد قاربت على السابعة أو الثامنة مساء، واقترحت عليه أن نذهب إلى حى السيدة زينب ونتناول وجبة كوارع وفتة وحلويات (الطحال، ولحمة الرأس، الفشة، واللسان)، وقلنا نستمتع بالطقس الشعبى ونفحات أم العواجز، وبالمرة نديها شوربة كوارع لكى تعيننا على المشى، فقد هرمنا ولم تعد أرجلنا تتحملنا، زمان كنا نتناول الكوارع لكى تشد العصب، وكنا بعد تناولها نرفع راية مصر على المستوى المحلى والعربى، ونهتف مع الفنان القدير محمد صبحى: المصريون أهم، للأسف اليوم نتناول وجبة الكوارع لكى نجلس ونتذكر أيام زمان وليالى زمان، فالعمر قد انسرق، وتعطلت أجزاء مهمة فى جسم الإنسان ليس لها قطع غيار، العزيز «أمين» له وجهة نظر أخرى، فهو لا يقر بالزمن، وما زال يصر على أنه يفوت فى الحديد، وأن وجبة الكوارع هتخليه يطلع نار من أذنيه، ويتهمنى بالعجز والاستسلام لفكرة الزمن والسن والشيخوخة.
دخلنا المحل المواجه لمقام السيدة زينب، وهو من المحلات التى لها اسمها وتاريخها فى تقديم وجبة الكوارع، وكنا نتردد عليه كثيراً لكى نتناول الكوارع فى الأيام الخوالي، وطلبنا: فتة، كوارع مخلية، طبق حلويات، طاجن كوارع، وبعون الله قمنا بالمطلوب، وكان فى الطاولة المجاورة لنا أستاذ بكلية الهندسة بجامعة سرت، وهو ليبى الجنسية، وكنا نتبادل الحديث عن الوضع فى ليبيا الشقيقة خلال تناولنا الطعام، وبعد أن انتهينا وقمنا بغسل أيدينا طلبنا الفاتورة، وعندما قدمت فوجئنا بما لا يتخيله بشر ولا رأته عين، الحساب ثلاثمائة جنيه!
ــ كم؟
ــ 300 جنيه يا باشاز
ـــ بتهرج؟
ــ والله 300 جنيه؟
ــ ليه؟
ــ مش أكلتم كوارع وفتة وحلويات، ده يا دوب.
الصديق محمد أمين استشاط غضباً، ورفض تسديد هذه الفاتورة للمبالغة الكبيرة فى الأسعار، وقال له: لو أكلنا كيلو كباب صافى بدون كفتة، كنا سندفع 200 جنيه، وبرر صاحب المحل وهو شاب، ارتفاع الأسعار إلى الدولار، وارتفاع أسعار النقل، والبضاعة، وغيرها، وأكد أنه آخر محل يرفع الأسعار، فقد سبق ورفعت المحلات من شهر أو أكثر أسعار الوجبات.
بالطبع رفضنا مبرراته، فليس للدولار علاقة بشوربة الكوارع ولا بطبق الفتة، وأن الحكاية كلها رجل جاموسة بستين جنيه، يتم تقطيعها وطهيها وتقديمها لعشر أشخاص مخلية فى طبق شوربة، الصديق محمد أمين رفض أيضاً أية اقتراحات بتخفيض هامشى للفاتورة، وقام صاحب المحل بعد حوار مكثف بتخفيضها إلى 200 جنيه.
لا أخفى عليكم لقد أعجبنى كثيراً موقف الصديق محمد أمين، لرفضه الارتفاع المبالغ فيه للفاتورة، وإصراره على تسديد فاتورة تعادل ما تناولناه، فليس من المعقول ولا المنطقي أن أتناول وجبة كوارع بثلاثمائة جنيه، لماذا؟، هل نحن (على رأى الصديق أمين) أكلنا العجل؟، أمال لو كنا أكلنا لحمة رأس كنا دفعنا كام؟.
بالله عليكم إذا كانت الكوارع اللى بتخلينا (أنا ليس من بينهم) نطلع نار أصبحت بعد ثورتين، ومجرى جديد للقناة، وتعويم الجنيه، وقرض الصندوق الاجتماعى، واختفاء السكر بعد ارتفاع أسعاره، واختفاء الأدوية، وتعيين لواء بسيفين فى وزارة التموين، واكتشاف بنك فى منزل موظف، وتسليم جزيرتى تراتير وسفافير للبرلمان لتسليمهما للمملكة، بعد كل هذا أصبحت وجبة الكوارع بثلاثمائة جنيه، طيب دى بذمتكم مش من علامات الساعة؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف