الأهرام
القمص أنجيلوس جرجس
عام جديد... لماذا؟
عام جديد اعتدنا أن نقول بعضنا لبعض كل عام وأنتم طيبون، ولكن هل نحن فعلا هكذا؟ هل يأتى هذا العام ونحن طيبون، ونحن فرحون، ونحن متفائلون، ونحن سبب خير للآخرين، ونحن فعالون، هل يأتى هذا العام ونحن ندرك قيمة الحياة، ومعنى الوقت، ومعنى الحق، ومعنى الخير والسلام.

كل عام ونحن ماذا؟ كل عام ونحن نكرر أخطاء الماضى ونحن نعيد نفس الصور السلبية التى فى حياتنا بلا تغيير، بلا مواجهة؟ هل يأتى هذا العام ونحن ندور فى نفس الدوائر ونحن نحمل نفس الملامح. فمن يحمل شراً لا يزال ينشره، ومن يحمل قبحاً لا يزال يفعله؟ كل عام ولا يزال هناك من يتحكم فى مصائر الشعوب، من يديرون آلات الحرب لتدمير شعوب أخري، ومن يدفع أموالاً لقتل أبرياء وتشريد ملايين البشر. كل عام والصراع على السلطة والنفوذ يدفع هؤلاء الجالسين على عروشهم فى قصورهم لإشعال النيران فى بلاد آمنة ليموت الشباب ويحرق الأطفال وتعيش النساء والأطفال والشيوخ مشردين فى الطرق والجبال أو موتى عبر البحار.

كل عام ولا تزال مهزلة لعبة الأمم فى أيدى هؤلاء الذين بلا قلب ولا يفكرون إلا فى نفوذهم وعروشهم وأموالهم وليجوع من يجوع، وليموت من يموت فى صراع بلا معنى يدفع ثمنه أطفال يموتون جوعى أو بردا. أو يعيش شباب مشرد بلا مأوي. كل عام والشعوب هى وقود الحرب التى تدور رحاها لصالح أفراد يجلسون على طاولة المفاوضات ويتنازعون على أوطان، وشعوب تحترق بنار الكراهية والبغض والصراع على السلطة. صوت صراخ المساكين والمشردين لا تهتز له ضمائر الذين امتلأت بطونهم من خيرات الأرض. صوت صراخ الأطفال المحترقة أجسادهم لا نجده يزعج هؤلاء الذين قد تقامروا على مصائرهم وأوطانهم.

هل سيأتى العام الجديد ولا تزال آذان هؤلاء لا تسمع سوى أصوات المدائح والعرفان ولا تسمع أصوات صراخ المساكين والمشردين والأمهات التى يموت أولادهن أمام عيونهن.

كل عام ونحن ماذا؟ مر العام الماضى ونحن نستيقظ كل يوم على حوادث إرهاب من جماعة احترفت الكراهية وتكفير الآخر وتمتلئ عقولهم بأفكار غريبة عن أفكارنا، وأرواحهم غريبة عن أرواحنا، وقلوبهم حجرية لا تشعر ولا تنبض إلا للهدم والحرق. ويأتى هذا العام وهؤلاء لايزالون بيننا، ومن يعلمهم الكراهية لا يزال باقيا، ومن يخطط لهم لا يزال يسكن جدران منازلنا، ومن يفجر ويقتل قد تعلم فى مدارسنا وجامعاتنا وأكل وشرب من نفس الطبق الذى كنا نأكل فيه.

كل عام ونحن نرى أبواق التطرف لا تزال تذيع خطاب الكراهية، وأبواق الخيانة لا تزال تعلن عن تفجيرات قادمة. كل عام ونحن ماذا فاعلون؟ ألم يحن أن يكون هذا العام مختلفا عن الأعوام الماضية؟ أن نعمل، أن نفرح، أن نقدم حياة حقيقية.

فى أحد الأمثال التى علم بها السيد المسيح يقول: «كانت لواحد شجرة تين مغروسة فى كرمه، فأتى يطلب فيها ثمرا ولم يجد. فقال للكرام: هوذا ثلاث سنين أتى أطلب ثمرا فى هذه التينة ولم أجد. اقطعها لماذا تبطل الأرض أيضاً؟ فأجاب وقال له: يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً، حتى أنقب حولها وأضع زبلا. فإن صنعت ثمراً، وإلا ففيما بعد تقطعها» (لو 13: 6 9)

عزيزى القارئ نقول كل عام ونحن طيبون وكأن العالم دائما لنا وكأننا سنحيا حتما. تُرى لو فى بداية هذا العام أدركنا أننا نعيش هذه السنة فقط. وأن حوارا قد دار فى السماء ونظر اللـه إلى حالنا وقد وجد أن العالم كله يسير نحن الهاوية، وقد قرر الرب أن ينهى العالم وفجأة تشفع فى العالم ملائكة وقديسون وقالوا له اتركها هذه السنة أيضا. ونحن فى عالمنا هنا أذيع علينا هذا الحوار وعرفنا أنه سيترك لنا هذه السنة إما أن نأتى بثمر وإما قد ينهى الحياة.

وقد تظن عزيزى القارئ أننى أقول فكرة خيالية ولكنى أتصور الإله الذى خلق وصنع كل الخليقة والكون وأعطى الحرية للإنسان كى يعمل الأرض ويحيا فيها بالحق وينشر الخير والجمال فى ربوع الكون كيف يرانا؟ الإله الممسك بيده آلة الزمن والحياة ويضبط كل شيء بقدرته هل تظن أنه لن يتدخل فى الحياة وهو يرى من يعبث ويدمر خلقته، ومن ينشر الشر والظلمة. وحين نرفع عيوننا ونقول له يارب عاما جديدا وفرصة جديدة للحياة ألا يحيينا، عام جديد للحياة لماذا؟ نعم لماذا تريد عاما جديدا؟

فى أبريل عام 1775 كان الجيش الإنجليزى يعسكر فى نيوجرسى وكان الكولونيل «راهل» قائد هذا المعسكر وبينما كانت الحرب قائمة كان هو يلعب الكوتشينة مع ضباطه، وبينما هو مستغرق فى اللعب جاء إليه أحد الجنود مسرعا وقال له: سيدى الكولونيل معى رسالة مهمة فى هذه الورقة. وبسخرية فاقدة للمسئولية رد القائد: هل الورقة التى معك تفيد فى اللعب. وضحك الجميع على هذه الطرفة ووقف الجندى وهو لا يدرك ماذا يفعل، وبعد فترة حين انتهى من اللعب قال للجندي:أرينى هذه الورقة وحين فتحها قام صارخا لجنوده وضباطه استعدوا القائد الأمريكى جورج واشنطن عبر النهر وفى طريقه إلى هنا. وكانت هذه أخر كلمة قالها فقد انهالت على المعسكر القذائف، وقطعت رأسه وانهزم الجيش الإنجليزى ومات أغلب الجنود لأن هذا القائد كان يقضى وقت المعركة فى اللعب.

ونعود لنسأل عام جديد لماذا؟ هل نريد عامنا الجديد كى نحب بعضا؟ كى ننشر السعادة لكل من نعرفه دون تمييز، هل نريد عاما نزيل فيه أشواك الأراضى ونزرع فيها أشجارا تثمر؟ أم عاما سيظل الجشع فى قلوب التجار ليزدادوا غنى ويزداد الفقير جوعاً، لكى يظل المرتشى يرتشي، والفاسد فاسدا، ومن يسرق يظل يسرق. لقد عملت البشرية على تطوير أسلحة القتل وتسارعت الشعوب فى اقتناء هذا ويموت ملايين البشر من الجوع والبرد والتدمير بهذه الأسلحة.

فهل نحن طيبون؟ نحتاج إلى عام جديد ننشر الحب كى نكون طيبين، نرفع اليأس من النفوس المتعبة، نساعد بعضنا فى وقت الضيقات، فى قبول بعضنا البعض مهما اختلفت ألوان بشرتنا أو ديانتنا أو ثقافاتنا. حتى نقول كل عام ونحن طيبون لابد أن نكون بلا وحشية أو كراهية أو استبداد.

قبل أن تموت الزهور مختنقة بين أصابعنا،

قبل أن تهاجر الطيور من البرد أشجارنا،

قبل أن تغيب الشمس ونموت فى ظلامنا

يجب أن نعمل ونحب بعضنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف