الأهرام
عزت ابراهيم
هل سمعت عن بيان ستوكهولم؟
فى سبتمبر الماضى، اجتمع 13 من كبار الاقتصاديين فى العالم لمدة يومين فى العاصمة السويدية ستوكهولم لمناقشة التحديات التى يواجهها صناع السياسات الاقتصادية فى صورة اجتماع دولى موسع توصل إلى 8 مبادئ لإعادة رسم السياسات فى العالم المعاصر. وأمام الخطر القائم نتيجة اضطراب السياسات الاقتصادية، أصدرت مجموعة الخبراء بيان ستوكهولم واللافت أن منطقة كبيرة على خريطة العالم مثل منطقة الشرق الأوسط لم تكن ممثلة فى اللقاء رغم كل المشكلات الاقتصادية المتفاقمة ورغم أن كثيرا مما ورد فى التوصيات يمس ما يجرى فى بلادنا وأهمها دور الدولة.

وأشار البيان، ثم مقال كتبه أربعة من الخبراء قبل أيام وعلى رأسهم عالم الاقتصاد جوزيف إستجليتز، أن الخلاصة التى انتهوا إليها تقول إن بعض الأفكار التى تقوم عليها اقتصاديات التنمية التقليدية قد تساعد اليوم على تفاقم بعض التحديات الاقتصادية، عالميا، بدلا من أن تقدم حلولا للأزمات الحالية. بشكل أوضح، أن مجرد الحفاظ على التوازن فى الموازنات الوطنية والسيطرة على التضخم، بينما تترك قوى السوق لتقوم بباقى المهمة بطريقتها، لا تولد تلقائيا نموا مستداما أو شاملا. ربما يكون من المفيد لنا نقل مجموعة المبادئ إلى القارئ ــ سواء كانوا مسئولين أو غيرهم ــ والتى ينبغى أن توجه سياسات التنمية: أولاً: نمو الناتج المحلى الإجمالى ليس هدفا فى حد ذاته: فلا ينبغى أن يكون نمو الناتج هدفا نهائيا فى حد ذاته بل ينبغى أن يكون وسيلة لتنمية الموارد اللازمة لتحقيق مجموعة من الأهداف المجتمعية، التى تشمل تحسين الصحة والتعليم والعمل، حيث يقول البيان إن مسألة الرفاهية الفردية للمواطن متعددة الأبعاد وينبغى أن تهدف السياسة الجديدة إلى إدخال تحسينات على الأبعاد المجتمعية، وألا يركز على الدخل فقط. هناك، على سبيل المثال، حاجة لتوفير تغذية أفضل للأطفال فى مرحلة ما قبل المدرسة والتأكد من أن الجميع لديه الرعاية الصحية الأساسية. وإذا كانت السياسات الصحيحة ليست فى مكانها، قد يأتى نمو الناتج المحلى الإجمالى على حساب هذه الأبعاد من الرفاهية. مع الأخذ فى الاعتبار أن نمو الناتج المحلى الإجمالى فى حد ذاته قد لا يؤدى إلى القضاء على الممارسات التمييزية ضد الفئات الضعيفة. هذه الممارسات تتطلب عادة تدخلات متعمدة من الدولة. ثانيا: التنمية يجب أن تكون شاملة: السياسات الجديدة يجب أن تساعد على ضمان أن تكون التنمية اجتماعيا واقتصاديا شاملة، وألا تترك وراءها مجموعات من السكان المحرومين. وينبغى أن يكون هناك تركيز خاص على الفئات التى تعانى الحرمان الشديد فى نطاق الأبعاد المختلفة التى تشكل ما يسمى «الرفاهية»، خاصة الأفراد الذين يعانون الحرمان من أبعاد كثيرة مثل الحرمان من التعليم والصحة على نحو متزامن وفى وقت واحد.ثالثا: الاستدامة البيئية شرط ضرورى وليس خيارا: على المستوى الوطني، نمو الدخل على حساب استمرار الأضرار بالبيئة لا يمكن تحمله ولم يعد مقبولا اليوم. على الصعيد العالمي، تغير المناخ يشكل خطرا متنامياً على الصحة وسبل العيش.

رابعا: التوازن بين السوق والدولة والمجتمع: سياسة التنمية يجب أن تبنى على توازن حكيم بين الأطراف الثلاثة. الأسواق هى فى الأساس مؤسسات اجتماعية تحتاج إلى التدخل بالتنظيم من أجل تخصيص الموارد بكفاءة. الأسواق حتى لو كانت يعمل بكفاءة لا تميل إلى الوفاء بمتطلبات الإنصاف والشمولية وهو ما يفسر وجود مجاعات فى وقت تعمل فيه السوق الحرة بكفاءة عالية!. يقول الخبراء إنه فى الربع الأخير من القرن العشرين، كانت الأسواق غير الخاضعة للتنظيم هى السبب الجذرى للعديد من النتائج الاقتصادية السلبية، بما فى ذلك الأزمة المالية عام 2008 وظهور مستويات غير عادية من عدم المساواة. بالنسبة للأسواق والقوى الفاعلة الأخرى غير السوقية، على حد سواء، فإن الدولة لا غنى عنها من أجل تنظيم فعال. الدولة لا غنى عنها فى وضع قواعد اللعبة وإنشاء إطار تنظيمى للأسواق حتى يمكن للمجتمعات المحلية أن تزدهر. زيادة مستويات التماسك الاجتماعى والثقة فى أن هناك قواعد أفضل للعبة سوف يؤدى أيضا إلى تقليل التفاوت، وتعزيز النمو فى وقت واحد وتحقيق الرفاهية للمواطن بكل أبعادها. ويقع على الدولة أيضا دور لا غنى عنه فى المجالات التى لا تعمل فيها الأسواق بشكل جيد مثل التمويل، والصحة، والبيئة. وهناك ضرورات واضحة للتدخل مثل تمكين المرأة وحماية الفئات الضعيفة والتعامل مع مسألة ظهور الثروات المفرطة وعدم المساواة فى الدخل، كما أن لديها دورا تلعبه فى تشكيل السياسة الصناعية والسياسات الزراعية وقطاع الخدمات.

خامسا: استقرار الاقتصاد الكلى يتطلب مرونة السياسة الجديدة: المشورات الخاصة بالسياسات التقليدية تركز بشكل مبالغ فيه على الوصول إلى موازنة متوازنة- فى بعض الأحيان على حساب استقرار الاقتصاد الكلي. إن التوجه الأمثل يعتبر التوازن المالى بمثابة فترة انتقالية لعبور تقلبات الدورة الاقتصادية من أجل الوصول إلى النمو. سادسا: تأثير التغير التكنولوجى على عدم المساواة: ساعد التقدم التكنولوجى الحديث فى تشريد العمالة، وزيادة حصة رأس المال فى الدخل، وبالتالي، زيادة معدلات عدم المساواة. ومن خلال الميكنة تقوم الشركات بإنفاق أقل على الأجور، وبالتالى ترتفع عوائد المساهمين. كثيرا ما صورت مشكلة العمالة فى مواجهة رأس المال باعتبارها مشكلة عمالة مقابل عمالة حيث يروج البعض فى الاقتصاديات المتقدمة أن البلدان النامية يحصلون على وظائفهم. وقد أسهم ذلك فى رفض التجارة الحرة وظهور الدعوة إلى الحمائية. ما هو مطلوب حقا، هو العمل على تعزيز رأس المال البشرى على التكيف وتعزيز مساواة الدخل فى السوق.

سابعا: الأعراف الاجتماعية والقيم تؤثر على الأداء الاقتصادي: يعمل الاقتصاد بشكل أفضل عندما تكون هناك ثقة بين الناس والأعراف الاجتماعية أيضا تساعد على الحد من الفساد.

ثامنا: السياسات العالمية ومسئولية المجتمع الدولي: السياسة النقدية فى الدول ذات الدخل المرتفع تؤثر على آفاق تدفقات رءوس الأموال إلى الدول النامية، والسياسات التنظيمية فى البلدان الغنية، تؤثر على الاقتصادات الناشئة والنامية أيضا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف