الأهرام
يوسف القعيد
وجوه من عمان
خمسة أيام أمضيتها فى سلطنة عُمان. ذهبت للمشاركة فى الاجتماعات السنوية لجائزة السلطان قابوس. وفى هذه الاجتماعات تم تسليم جائزة السلطان فى فروعها الثلاثة للفائزين عام 2016. وباعتبارى عضواً فى امانة الجائزة - لأول مرة - عقد اجتماع لتقييم سنوات الجائزة الماضية الخمسة. والتخطيط للقادم.

الجائزة حكاية أخري. لكن ما أريد الكتابة عنه الآن الإصدقاء - القدامى والجدد ـ فى هذه البلاد والتى لا حد لجمالها. ويمكن الاسترسال طويلاً فى الكتابة عن جمالها وحسنها وبهائها. لكنى من الذين يؤمنون بأن البشر يأتون ـ دائماً وأبداً ـ قبل المكان وشواهده. وما قد يوحى به. مع كل الاعتذار لصديقنا المرحوم الدكتور جمال حمدان، قضى عمره يؤسس ويؤصل لما أسماه: عبقرية المكان. وهو الجهد الذى توقف مع انتهاء حياته. ولم يجد من يواصله بعده.

ما من مرة ذهبت فيها إلى هذه البلاد إلا وكان لقائى بصديقي، أو من أعتبر نفسى صديقه: عبد العزيز الرواس. مستشار السلطان قابوس للشئون الثقافية. والذى عرفته قديماً عندما كان وزيراً لإعلام السلطنة. فهو من المؤسسين الأوائل لإعلامها. والصديق الحميم لكثير من الإعلاميين والمثقفين العرب فى زمننا المعاصر.

وفى زيارة سابقة اكتشفت أن عدداً كبيراً من قيادات الصحافة المصرية القومية والحزبية والمعارضة. عملوا فى عمان وتولوا العديد من الأدوار فيها فى زمن مسئولية عبد العزيز الرواس.

سبق أن دخلت بيته. وزيارات البيوت فى هذه المجتمعات المحافظة ـ شديدة المحافظة ـ لدرجة أنه يمكن القول عنها أنا تقليدية. تُعبِّر عن حالة من الود حتى لو لم يعبر عنها بالكلمات.

فى زيارتى كان لقائى به من أهم طقوس وجودي. ساعات قضيتها معه. ولأنه دائماً يحرص عند اللقاء إلى القول إنه يتحدث كصديق. وما يقوله ليس للنشر. لذلك أكتب أن المجالس أمانات. وإن كان ما سمعته منه خاصاً بما يجرى فى مصر كان مهماً ومركزاً ودقيقاً. يؤكد مدى شغفه حبه لمصر. ودور مصر. محورية مصر. وكلما استمعت منه ومن غيره حكاياتهم عن مصر. قلت لنفسى لحظة الانصراف. ما يعد ترديداً لشعر أحفظه: لا مصر إلا مصر. أو لكم مصركم. ولنا مصرنا.

عموماً أقول إن الحب ربما كان من أهم مقدمات الفهم والاستيعاب الإنساني. أن تحب معناه أنك تريد أن تشغل عقلك ووجدانك بما تحبه. وهكذا موقف الكثيرين ممن قابلتهم فى سلطنة عُمان يجمع بينهم حبهم لمصر. والذوب عشقاً فيها.

هداياه لى كانت عبارة عن كتابين جديدين. قال إن المستشارية الثقافية للسلطان أصدرتهما أخيرا. ولا أقول أن خير جليس فى الزمان كتاب. وهو قول من أقوالى التى شكلت وجدان العمر. ولكنى أكتب الآن: إن أفضل هدية تقدم للإنسان كتاب. وإن كان الكتابان ليسا من كتابة وتأليف الرواس. فإن ما يفكر فيه ويسعى إليه ويحاول دفع الآخرين لتأليفه. يعد من كتبه بصورة أو أخري. فى اللقاء لم أكن قد قرأت الكتابين. لذلك أكتفى بالمدون عليهما من الخارج ثم لنا لقاء آخر. ولن يكون الأخير مع الكتابين وغيرهما من الكتب التى عدت بها من عمان.

الكتابان هما: الدولة فى الفكر الإباضي، كتبه صديقنا ورفيق رحلتنا الدكتور محمد صابر عرب. وإن كان منشوراً فى مصر. نشرته دار الشروق، طبعته الأولى 2012، والطبعة الثانية فى السنة التالية. والكتاب الثاني: عُمان فجر جديد، المواءمة بين الأصالة والمعاصرة. وكاتبته هي: ليندا باباس فانش. وترجمه ناصر بن سعيد بن أحمد الكندي. وكلا الكتابين رحلة، الأول رحلة فى الزمان، والثانى رحلة فى المكان. وكلاهما مما أحب قراءته من الكتب.

من الذين تعرفت عليهم لأول مرة: خالد بن هلال البوسعيدي. والذى يذكر اسمه فى بلاده مسبوقاً بكلمة أو وصف السيد. وهو وزير البلاط السلطاني. وإن كان اجتماعى معه ـ وليس لقائى به ـ بصفته رئيس مجلس أمناء الجائزة. ويخيل إليَّ أن السلطان قابوس أراد أن يرسل إشارات عن مدى اهتمامه بالجائزة. وأراد أن يوصل رسالة أنها ـ الجائزة ـ معبرة عن البلاد ابتداء من سلطانها حتى عموم شعبها. انها الجائزة التى تلخص وطناً.

ورغم أن الجائزة كانت موضوع الاجتماع. إلا أن الرجل حكى لى ـ كم كنت سعيداً عندما استمعت إليه ـ عن ذكرياته المصرية خصوصاً مقهى الفيشاوى فى سيدنا الحسين. قال إنه كان يذهب إليه لحظة انتصاف الليل. قلت لنفسي: كم تبدو القاهرة جميلة ليلاً. لدرجة أنه يمكن القول إن القاهرة مدينة ليلية أكثر من كونها نهارية. يكمل أنه كان يجلس فى الفيشاوى حتى صلاة الفجر. ويصلى الفجر حاضراً فى مسجد سيدنا الحسين. ثم يعود إلى منزله وقد شعر أن الوضوء للصلاة كان بمثابة عملية اغتسال. ربما كان الإنسان فى أمس الحاجة إليها أحياناً.

كان معنا الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني. وزير الإعلام العماني. يجلس على مقعد عبد العزيز الرواس. ويحاول استكمال مسيرته فى العطاء الإعلامى ويفاجئنى الوزير بأنه درس فى مصر. وما زال ينظر لسنوات دراسته فى مصر العروبة. على أنها سنوات التكوين الأولي. التى لا يزال يعيش على آثارها. وما تركته فيه.

أما حبيب بن محمد الريامي، أمين مركز السلطان قابوس العالى للثقافة والعلوم، وأمين سر مجلس الجائزة. وكنت سافرت إلى عمان مزوداً بحكايات الدكتور صابر عرب المؤرخ المتميز عنه. ولأنه قضى سنوات من عمره فى مسقط. فقد حدثنى عن حبيب الريامي. كعقل يقف وراء الكثير من إنجازات الجائزة الثقافية.

تبقى الدكتورة عائشة بنت سعيد الغابشية، مديرة مكتب جائزة السلطان للثقافة والفنون. وهى إعلامية عمانية. لها برامج فى الإذاعة. وقد حصلت على الماجستير والدكتوراه من إعلام القاهرة.

كان يجب البدء بها. وأعتذر عن هذا التصرف الرجولى الخشن. فهى دينامو الجائزة. والمحرك لكثير من فعاليتها. لمست هذا بنفسى وحمدت الله أن المسئولين الكبار هناك يدركون هذا.

كان معنا الصديق الدكتور عبد السلام المسدي. أستاذ اللسانيات فى جامعة تونس. والمثقف العضوى الكبير. والقادم من تجربة تونس الثورية. صاحب العقل الثاقب الذى يصل لجوهر الحقيقة فى لمح البصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف