الأهرام
فريدة الشوباشى
المظاهر الخارجية للثراء
كان لواقعة إلقاء القبض على السيد جمال الدين محمد إبراهيم اللبان مدير عام إدارة التوريدات والمشتريات بمجلس الدولة بتهمة تقاضى رشاوى وصلت الى نحو مائة وخمسين مليون جنيه!!!، اضافة الى المجوهرات والعقارات والسيارات وغيرها،كان للواقعة أصداء عديدة، بين مستغرب حيال هول المبالغ والمقتنيات بحوزة الرجل وكأنه لا يشبع، ولا يرتوى ظمؤه، بل انه كلما حصل على اموال ازداد نهما للأكثر، وبين شعور بالارتياح ان لم يكن بالتفاؤل بأن محاربة الفساد وتطهير الوطن من ادرانه لم يعد مجرد شعار يرفع،بل استقر فى الوجدان هذه المرة، أننا كما يُقال، دخلنا فى الجد.. ويستدعى مثال اللبان العديد من التساؤلات وبعضها يجد الجواب فى تهديداته بأنه لن يسدد وحده فاتورة فساده، أى ان له شركاء،وهو أمر منطقى حيث يصعب ان يكون مثله فى مثل هذا الموقع ويتصرف بمثل هذه الجرأة التى تصل الى حد اللامبالاة، إن لم يكن مطمئنا تماما الى عدم محاسبته، دون شركاء يتسترون عليه «للمصلحة!!» المشتركة، ونترك هذا الجانب البالغ الأهمية لتحقيقات النيابة والاجراءات القانونية ..

غير ان بعض التساؤلات تستحق اثارتها الآن ومنها مثلا المظاهر الخارجية للثراء.. فإذا كان راتب الرجل كما تردد عشرين الف جنيه،هل يعقل ألا يسترعى الانتباه،ان يستخدم أكثر من سيارة فاخرة، باهظة الثمن؟.. وهل يعقل ان يتمكن من شراء اكثر من عقار، براتبه، فى أكثر من محافظة ؟.. لقد شاهدت فيلما فى باريس يحمل نفس العنوان، المظاهر الخارجية للثراء، ملخصه ان مصلحة الضرائب، تبحث خلف من يعيشون فى مستوى يفوق بمراحل مستوى دخلهم من الوظيفة، وحتى فى تراثنا، فان سيدنا عمر بن الخطاب، ارتاب فى بعض ولاته وقد نما الى علمه انهم كونوا ثروات كبيرة، ومنهم عمرو بن العاص، ولما سأله عن مصدر ثروته وبررها عمرو بانه يقوم بنشاط اقتصادى خاص الى جانب عمله الرسمي، رفض عمر رفضا تاما الجمع بين منصب مسئول ونشاط اقتصادى فردي.. والمحزن فى دواعى استشراء الفساد فى وطننا، إلغاء قانون من أين لك هذا، فلم يعد موظف المحليات، الذى يصرح ببناء عقارات مخالفة، مقابل رشاوى تتناسب طرديا مع قيمة المخالفة، بات يأمن، انه لن يسأل، من أين له، كل هذا، حتى لو اشترى عمارة بحالها ولو تزينت زوجته وبناته بالمشغولات الذهبية والمجوهرات الماسية، وزيادة فى الحيطة، فان كل فاسد يبحث عن فاسد فوقه كضمان وغطاء واق له، مثلما فعل اللبان.. وزد على ذلك حالة الاتجار بالتدين والاستقامة.

كمااتضح من حيلة اللبان، مستعرضا «تقواه» بنشر صوره، بملابس الاحرام فى الكعبة المشرفة.. ولا شك ان جذور هذا الفساد تمتد الى عدة عقود، أى انها تزامنت مع سياسة ما سُمى الانفتاح الاقتصادي، والذى اقتصر على الاقتصاد الريعى وتراجع الانتاج بصورة مفزعة والذى اطلق أيضا، العنان لارتفاع الاسعار ارتفاعا جنونيا، بينما كبل الأجور بصورة تتنافى حتى مع مبدأ الانفتاح ذاته، ففى الدول الرأسمالية ترتفع الأجور بنفس نسبة التضخم الناجم عن ارتفاع السلع، أو تكاد تتساوى مع نسبة الغلاء، بينما عندنا، تتسع الهوة، بين الأثرياء وبين محدودى الدخل، بصورة تتنافى مع ابسط قواعد العدالة الاجتماعية، الدرع الواقية للمجتمع من كل ادران الفساد والفاسدين والمفسدين، فلابد ان تسود ثقافة المسئولية المشتركة بين الراشى والمرتشى بمعاقبة الطرفين، وان تتم كذلك معاقبة الموظف الذى يعرقل مصالح الناس إلا اذا امتثلوا لطمعه، وكذلك معاقبة الراشى اذا ما كان يطلب مخالفة القانون.

ولعل ما اثلج الصدور ورسخ ثقة المواطنين، بأن الحرب على الفساد، جادة فعلا هذه المرة، ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى بانه لا أحد فوق المساءلة.. وان الأجهزة الرقابية لابد لها من الخروج من سباتها العميق، دون وجل، و«تحليل» ما يتقاضاه العاملون بها من رواتب ومزايا، وكما نقول «رب ضارة نافعة»، فقد شعر الناس بالحزن إزاء تردى رجل فى موقع حساس، الى هذا الدرك، ولكن، غلب التفاؤل بان العام الجديد، سيكون جديدا فعلا فى مواجهة كل السلبيات والتطهر من كل الادران، التى صاحبت سنوات الفساد، وثقتى كبيرة فى جدية الدولة هذا العام فى محاربة كل الآفات التى نعانيها، فهذا هو السبيل الوحيد لبناء مصر التى نحلم بها، وكل عام سيكون، من الآن فصاعدا، أجمل من سابقه ان شاء الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف