محمد السيد عيد
العائدون من سوريا والعراق
عرفنا من قبل مصطلح » العائدون من أفغانستان » للدلالة علي هؤلاء الذين ذهبوا للحرب ضد الروس في أفغانستان، وهناك جندهم أسامة بن لادن، وعلمهم الأفكار التكفيرية، وصاروا أعضاء في تنظيم القاعدة، وحين قرروا العودة لأوطانهم، كانت أوطانهم تضع يدها علي قلبها، لأنهم إما أن ينشروا بها الفكر التكفيري، أو يكوّنوا جماعات تكفيرية تحارب المجتمع، أو يقوموا بأعمال إرهابية ضد المواطنين المسالمين، علي اعتبار أن المجتمعات كلها كافرة. والآن لابد أن نستحدث مصطلحاً جديداً للدلالة علي هؤلاء التكفيريين الذين يحاربون مع داعش وجبهة النصرة وغيرهما من الجماعات التكفيرية المسلحة في سوريا والعراق، وسيفكرون في إيجاد مكان بديل لأنفسهم بعد خروجهم من هناك. وهذا المصطلح الجديد هو » العائدون من سوريا والعراق ».
إن معارك تحرير الموصل ستنتهي بما لايحب أنصار الفكر التكفيري، وهذه النهاية علي أقصي تقدير ستكون خلال عامين. أما في سوريا فالنهاية ستكون أقرب، وأغلب الظن أنها ستكون قبل نهاية 2017. فمن الواضح أن التكفيريين - بعد تحرير حلب - تركزوا في ثلاث مناطق، هي : الرقة، وتدمر، وإدلب. وهذا التجمع من حسن حظ الجيش السوري وحلفائه، لأن الخصوم ماعادوا ينتشرون في مناطق واسعة يصعب التعامل معها، بل صاروا في أماكن محددة يسهل التعامل معها عسكرياً عند اللزوم، ولعل ماحدث في إدلب بعد تحرير حلب يشير إلي إمكان تكرار السيناريو نفسه. لكن رغم كل شيء يجب ألا نستبعد الحل السياسي، فقد أعلنت روسيا وتركيا أخيراً اتفاقهما علي وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، عدا التصدي للأعمال الإرهابية، كما أن إعلان الولايات المتحدة عن رفع القيود عن تسليح المعارضة السورية في حقيقته مجرد وسيلة من وسائل الضغط علي الروس والسوريين وإيران وحزب الله للتفكير في حل سياسي بدلاً من اللجوء للحل العسكري. وأظن أن الحل السياسي يتيح للولايات المتحدة إنقاذ بقايا داعش وغيرها من التنظيمات التكفيرية المسلحة، وخروجهم من سوريا سالمين، وإعادة نشرهم في أماكن أخري في الوطن العربي، بما يضمن لها عدم استقرار المنطقة.
صحيح أن بعض الدول، وبعض الأطراف، قد لاترغب في الحل السياسي لأن لها حساباتها الخاصة، وقد تري في الحل السياسي هزيمة لها. لكن القوي الكبري ستكون صاحبة الكلمة العليا، وأظن أنها ستعمل لوضع حد لما يحدث الآن.
مايهمنا أن انتهاء الصراع سيترتب عليه نزوح التكفيريين من العراق وسوريا إلي أماكن أخري. وأتوقع أن بعض التكفيريين الذين سيخرجون من البلدين الشقيقين سيرحلون إلي بلادهم، لكن الجزء الأكبر منهم سيتجه إلي ليبيا ومصر. وليس سراً أن تجميع التكفيريين في ليبيا هدفه إقلاق مصر، وأن صغار اللاعبين، وبالتحديد الذين يمولون الإرهاب، يريدون لهؤلاء المتشددين أن يكونوا عنصراً لإثارة القلاقل في بلادنا.
وستلعب غزة دوراً رئيسياً في تسلل الإرهابيين إلي مصر، كما سيستخدم الإرهابيون كل الطرق الملتوية للتسلل إلينا. ولذلك فعلينا منذ الآن أن نسأل أنفسنا : ماذا سنفعل مع القادمين، أو الهاربين من سوريا والعراق ؟
إن علينا أن نقوم منذ الآن بالتنسيق المخابراتي مع سوريا والعراق، والدول التي يمكن أن يعبرها الإرهابيون للخروج منهما، مثل الأردن ولبنان، ولاننسي التنسيق مع روسيا، والتركيز علي مراقبة غزة والحدود الليبية المصرية، لمتابعة تحركات الإرهابيين أولاً بأول. وعدم السماح لهم بالتسلل إلي أرض الوطن. وعلينا أن نحاول مع الدول الشقيقة التي تمول هذه التنظيمات الإرهابية كي تكف عن دعمها لها، لأن عدم استقرار مصر ليس في صالح المنطقة العربية كلها.
إن كل بلاد الدنيا تحسب منذ الآن ألف حساب لعودة التكفيريين، لكننا أولي بهذا من الجميع، فنحن نمثل هدفاً استراتيجياً لهم ولداعميهم. وسرعة الحركة هي ضمان السلامة.