صبرى غنيم
علموا أولادكم العمل في المقاهي.. وهم طلاب في الجامعة
- ابنك الذي يدرس في الجامعة.. هل تقبل له أن يعمل » جرسونا » في مقهي كعمل تطوعي يتبرع بأجره لإحدي الجمعيات الخيرية مقابل أن تمنحه الجامعة تقديرا ضمن المواد الدراسية.. قد يقبل الآباء ويرفض الأبناء لأن أغلبية الشبان في مصر يفضلون الجلوس علي المقاهي لا العمل فيها، ويوم أن يتخرجوا من الجامعة عيونهم علي الوظائف المكتبية ويستبعدون الأعمال الحرفية.. وكم من مصانع أعلنت عن حاجتها إلي شبان مؤهلين تدفع لهم أجورا مغرية ولكنهم رفضوا لأنهم يعتبرون العمل في مصنع كعمال فنيين » عيب » وهذه هي مصيبتنا بسبب العنجهية المصرية..
.. وهنا أحكي لكم تجربة يعيشها حفيدي » عمر غنيم » الذي يدرس الاقتصاد في جامعة مانشيستر بإنجلترا.. الجامعات هناك تفتح باب العمل التطوعي لأبنائها الطلاب للمساهمة في خدمة المجتمع أثناء دراستهم في الجامعة وتمنح الطالب مجموعا من الدرجات عن ساعات العمل التي يؤديها في عمله التطوعي أما أجره اليومي فيذهب لصالح جمعية من الجمعيات الخيرية أما للمعوقين أو الصم والبكم أو المكفوفين المهم عمل اجتماعي.. حفيدي اختار هو ومجموعة من زملائه العمل في عدة مقاهٍ قريبة من الجامعة.. لم أتخيل لأن يعمل » عمر» وهو في الساسة عشرة من عمره » جرسونا » في مقهي.. سألته ما الحكمة من عملك في مقهي.. قال لي حفيدي وهو فخور.. عملي هذا إيراده لصالح مرضي الجزام.. أنا عن نفسي لا أتقاضي عنه أجرا بل السندويتش الذي أشتريه أثناء عملي من مصروفي مع أني أعمل أحيانا ٦ ساعات وسعادتي في الدرجات التي أحصل عليها من الجامعة، لدرجة أنهم حببوني في العمل التطوعي ولم أجد فيه أي غضاضة..
- سألت حفيدي عمر.. هل تستطيع أن تعمل هذا العمل في مصر؟.. قال بالتأكيد لا لأن المجتمع المصري بيتعالي علي المجتمعات الأوربية التي لا تعرف العنجهية وتري أن العمل في أي مهنة شرف عكس المصريين فهم يختارون المهن التي لا ينفر منها المجتمع.. مع أنهم في أوروبا يعملون في كل المهن إلا نحن.. لذلك كنت سعيدا عندما قرر ابني الدكتور حسام غنيم أن يعيد تجربته مع ابنه الآن.. حسام تعلم هو الآخر في إنجلترا وأصبح طبيبا معروفا متخصصا في مناظير علاج أمراض الجهاز الهضمي والكبد.. وهنا أذكر أستاذنا الاقتصادي الكبير الدكتور علي لطفي رئيس وزراء مصر السابق عندما قصدني في موعد مع ابني الدكتور حسام.. فقلت له هذا ابنك يا دكتور فالرجل كان سعيدا وهو يتحدث عما سمعه عن ابني من تفوق ونبوغ.. لذا أراد أن يستشيره.. وبهذه المناسبة ابني عندما أرسلته إلي إنجلترا اكتشفت أن تعليمه فيها أقل في التكلفة عن القاهرة ويعلم الله كيف كنت أستقطع من قوتي لكي أعلمه وأحمد الله أنه اكتسب تجربة وتأهل إلي الأحسن.. وهو الآن يعيد نفس التجربة مع ابنه »عمر» فقد أرسله إلي مانشيستر التي تضم مئات من الطلاب المصريين هروبا من نار المصاريف الدراسية في الجامعات الخاصة في مصر، إذ يدفع في إنجلترا نصف تكلفة ما كان سيدفعه في مصر.. وهذه مأساتنا في التعليم الخاص.. صحيح الغربة للولد صعبة تحتاج أن تكون عيونك في وسط رأسك وأنت تتابعه، فما بالك بالبنت مع أن بناتنا المصريات في جامعة » حفيدي عمر » صورة مشرفة للبنت المصرية في الغربة، فعلا التعليم في الخارج لم يعد مقصورا علي طبقة معينة بل أصبح متاحا أيضا للطبقات المتوسطة التي هي في نفس ظروفنا.. ابني الدكتور حسام يعاني من الإرهاق لأنه يكافح ليلا ونهارا علي حساب صحته وبيته يقاوم نار المصاريف في التعليم الخاص لابنه الثاني »يوسف» وابنته » زينة ».. كان الله في عون كل أسرة مصرية لها ابن أو بنت في مدرسة من مدارس اللغات في مصر فقد أصبحت المصاريف نارا..
- السؤال هنا.. هل جامعاتنا ومعها الجامعات الخاصة عندنا في مصر علي استعداد لتبني تجربة العمل التطوعي لشبابها.. حفيدي اكتسب خبرة وعلي استعداد أن يعمل في مسمط في إجازته الدراسية ليساعد والده في المصاريف لكن غيره يري أن هذا العمل عيب والسبب البيت والمدرسة.