الأخبار
محمد السعدنى
إنه لأمر جلل لو تعلمون عظيم
لعلها من المرات القلائل التي لا أقدم فيها علي كتابة مقال الأخبار بحماس واحتشاد، ذلك لأسباب كثيرة اجتمعت لها من سوء الطالع شواهد يصعب تكرارها في أسبوع واحد. آخر هذه الأسباب كان رفض الأستاذ محمد درويش مدير تحرير الأخبار لاعتذاري عن الكتابة هذا الأسبوع بدواعي رقيقة ترضي غرور الكاتب، لكن ما الحيلة والكاتب يعاني حالة رثة تضرب جسده كما تضرب روحه جراء نزلة برد قاسية غبية أورثته صداع ورشح وسعال وارتفاع حرارة لا يدانيها إلا محيط سياسي عام يدفع للإحباط والزهد. والمصائب كما تعلمون لاتأتي فرادي، فأمامي أوراق ترقي لدرجة الأستاذية الجامعية المفترض أن أقوم بتحكيمها ولو علي مضض، إذ اعتدت في الفترة الأخيرة الاعتذار عن هذه المناسبات العلمية التي لاتستهويني، فقد تحولت في جزء منها لمضاهاة حياتنا العامة ومحيطنا السياسي في كثير من الشكلانية وتدني المستوي والتنطع. وأحمد الله أن قبلت أمانة اللجنة العلمية اعتذاري، وإذا بي أمام سيل من تساؤلات المواقع الإخبارية والصحفية عن تداعيات عام مضي وتحديات عام جديد، أسئلة بليدة في أغلبها تنم عن ضحالة مستوي التفكير العام في بلادنا وبؤس حالة هؤلاء الصحفيين والإعلاميين المبتدئين الذين تلقي بهم مؤسساتهم ومواقعهم وجرائدهم في بحر السياسة غير مؤهلين للعوم ولا التجديف ولاحتي بسترة نجاة تقيهم الغرق في بحر لجي متلاطم الأمواج.
ولا أخفيك سراً عزيزي القارئ يامن تنتظر مقالي كما تفضل أ. محمد درويش بإخباري إذا قلت لك أن مشكلتي وكثيرين مثلي هي هذا التوافق حد التطابق مابين الخاص والعام في حياتي.وتصور معي أن تحبسك الظروف الصحية وتضطرك لمتابعة غثاء مايقولون في فضائياتنا المفلسة التي وصل حد أدائها إلي فقدان القيمة أو قلة القيمة وأحياناً مع الأسف »قلة الأدب»‬ فإذا بك أمام مذيعة تليفزيونية ممن أطلقوهم علينا بلا رحمة ولا وازع من ضمير، تعلمنا الوطنية وتحشدنا لدعم الرئيس والوقوف إلي جانب البلد حتي لايتم اسقاطها وتدميرها، وكأن البلد قطعة بغاشة أو طبق جيلي أي حد يهزه ويلخبطه، فلو كانت هذه هي حالة البلد فأول من يسأل عن هشاشتها وهوانها علي الناس هو الرئيس الذي تسيئون إليه من حيث تريدون مجاملته، والسيدة المذيعة ملساء العقل فارغة الوعي، مثلها مثل كثيرين من مذيعات ومذيعين تحولوا نجوماً وجهابذة يعلموننا صباح مساء، أتت بما لم يأت به الأوائل، إذ اكتشفت أن الأزمة التي نعيشها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً إنما هي اختبار من الله ليمحص إيماننا ويختبر قدرتنا علي الصبر علي المكاره حتي يرزقنا الجنة، وكأن الله سبحانه وتعالي وهو يسمع ويري لايري في أداء الحكومة الفاشل وسياساتها الظالمة عيباً إلا الشعب الذي عليه بالصبر وتقبل المحن والاختبار والتمحيص، وكأن الله تجلي في علاه ونزه عما يتقولون لم يجد في شعوب الأرض من يعرضهم لهذا الامتحان العصيب إلا المصريين. واستفغره سبحانه واتوب إليه، ثم بالسيدة المذيعة وريثة حكايات أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة تتصاعد وتيرة أفكارها اللوذعية لتصل بنا إلي أن هذه الطبقة الوسطي »‬مش لازم تحوش» استنوا شوية، دا حتي اللي ناوي ياكل الطقة الثالثة يبقي بيزعل الرئيس بالله عليكم هل هذا كلام؟ ويرضي من في هذا الوطن؟ هل يرضي الرئيس؟ الذي يجعلونه عرضة لغضب الناس، ألا يكفيه من يتفننون له ولنا في المشكلة تلو الأخري، نخرج من مأزق لنواجه مصيبة ونخرج من نقرة لنقع في بئر عميق الغوار. وانظر معي إلي عودة الترزية لاجتراح المستحيلات، وإذا بهم يخترعون للرئيس مصيبة ما أغنانا عن الدخول إلي دهاليزها الزلقة الموحلة، عرض اتفاقية ترسيم الحدود في تيران وصنافير علي مجلس النواب مستبقين حكم المحكمة والقضية محجوزة أمامها للنطق بالحكم في أقل من أسبوعين؟ ماذا يعني هذا الكلام الملغز والمورط للشعب والحكومة والبرلمان والرئيس، ويالهم من ترزية يفتقدون الصنعة والحس السياسي والكفاءة! هل تتصورون أن الأمر سيمر هكذا بسلام؟ هذا أمر شرحه يطول، وأمده سيطول، وسيدخل بنا جميعاً أمام محكمة الضمير ومحكمة الشعب ومحكمة التاريخ.
يا سادة إن معظم النار من مستصغر الشرر، فلماذا كل هذا الحماس والامعان في التسرع والعجلة واجتراح المشكلات والخطايا في أمور لاتحتمل كل هذا العك وانتم لاشك تعلمون أن الشعب لم ولن يوافق ولم ولن يتسامح في قضية تيران وصنافير، فلماذا تورطون نظاماً بدأ معنا مسيرة وطنية منذ 30 يونيو بكل إخلاص، فتعمدون بالخصم من رصيده كل يوم وتحسبون أن كل مرة ستسلم الجرة؟ ياسادة مصر لاتحتاج مشكلات وخطايا كفانا مالدينا، وليعلم مجلس النواب أنه أمام اختبار صعب، وعلي خلاف الست المذيعة في أمنا الغولة: هذا اختبار للدولة والحكومة والنواب لا الشعب الذي لايزال ينتظر من الرئيس أن ينصفه ويرد إليه بعض حقوقه المنهوبة والمهدرة. ياسادة لا أقول لكم ترفقوا بالشعب أو احنو عليه، وإنما أطالبكم أن ترفقوا بالرئيس وأن تحنوا عليه، فهي مسئوليته أمام الله والشعب والتاريخ وسيحاسب عنها، أفيقوا واعتدلوا ولاتزين لكم أهواءكم أن الدنيا دانت لكم، فهذا شعب أبي قد يبيت طويلاً علي الطوي، لكنه يأبي أن يبيت علي ظلم. استقيموا يرحمكم الله.
ياسادة: إحالة تيران وصنافير لمجلس النواب أمر خطير ملمسه خشن، وحسابه عسير واخشي علي بلدي ورئيسها مما تكيدون وتخططون، فلا مجال هنا لحسني النية.
إنه أمر جلل لو تعلمون عظيم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف