عندما يُهدِّد أحد المضبوطين وهو متلبس بتلقى رشاوى مليونية قائلاً: “مش ها روح فيها لوحدى!”، فهذا، كما أنه يُخيف من تعاونوا معه وتحصّلوا على قسمتهم من الغلَّة، فإن الأخطر أنه يدقّ ناقوس إفاقة للمجتمع بأن الفساد فى مصر صار أعمق مما يبدو، وأنه يجد بيئة حاضنة توفر الحماية من أقوياء يتسترون عن الأعين، مما جعله عبئاً ثقيلاً على الضمير العام وعلى طاقة الناس على التحمل وعلى أى جهد جاد يستهدف دعم مناخ الانتاج والإحساس بالعدالة، ودعْ عنك سوء السمعة الذى يدمر الاستثمار. وهذا يفسر لماذا، برغم الجهود الأخيرة المُقدَّرة للأجهزة الرقابية فى كشف عدد من القضايا بعضها فى دوائر غير مطروقة قبلاً، فإن روح اليأس من قهره لا تزال سائدة، وذلك وفقاً لاستطلاع قامت به “اليوم السابع” مؤخراً، عن سؤال “هل تتوقع أن ينجح البرلمان فى سن تشريعات لمواجهة الفساد فى المحليات؟”، حيث استبعد 85 بالمئة إمكانية تحقيق هذا، ولم يتوقع النجاح سوى 14 بالمئة فقط لا غير!
وفساد المحليات له خصوصية، لأن أبناء الريف يعرفون ما يحدث فى قراهم وجوارها بأكثر مما يهتم بمعرفته سكان المدن، وهم يرون عبر عقود مدى تغلغل الفساد والفاسدين وإحساس الطمأنينة الذى يرتعون فيه، إلى حد أن يتقاضى مدير الشئون القانونية بإحدى مديريات الزراعة رشاوى وصلت إلى 72 مليون جنيه مقابل الترخيص بتبوير 300 فدان، عبر طرق لولبية معقدة لا يقدر عليها سوى عتاة التزوير. ولا تنس الشعار الذى رفعه أحد رموز عهد مبارك بأن فساد المحليات وصل إلى الركب، فى سعى منه للتمويه على فساد العاصمة الذى أثبت القضاء أن مبارك شخصياً وعائلته كانوا ضالعين فيه بما حقق لهم عشرات الملايين فى عملية واحدة!
إشاعة الأمل لن يكون إلا بمزيد من التقدم الجسور فى التعامل مع الفاسدين، خاصة كبارهم، مع ضرورة سن تشريعات لا تجيز المصالحة معهم، كما توفر الأمان للمتعاونين مع العدالة، مع اعتماد الشفافية بإعلان الحقائق أولاً بأول.