عبد القادر شهيب
السيطرة علي الأسعار بالتصريحات!
أكثر من نصف التصريحات الحكومية الخاصة بمسئوليها تتركز حول مراقبة الأسواق والسيطرة علي الأسعار، ومع ذلك فإن الاسعار لا تتوقف عن الارتفاع بشكل شبه يومي، وأصاب ارتفاعها الانفلات، حتي تجاوز معدل التضخم مؤخرا نسبة ٢٠٪ طبقا للتقديرات الرسمية.. وهكذا يبدو للمستهلكين ، خاصة أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة منهم، أن السيطرة علي الاسعار والرقابة علي الأسواق تتم فقط بالتصريحات الحكومية، أو بالكلام فقط ، وليس بأعمال أو أفعال جادة ومؤثرة تكبح معدل التضخم الكبير الذي يلتهم في الدخول الحقيقية لقطاع عريض من المواطنين، وبالتالي يخفض من مستوي معيشتهما.
وثمة تصريحات منشورة منسوبة لرئيس الوزراء المهندس شريف اسماعيل يكاد يعترف فيها بذلك.. فهو يقول فيها : »هناك مراقبة شديدة علي الأسعار في الأسواق».. ولكنه يضيف قائلا : » لن تستطيع الحكومة تحديد الأسعار من منابعها لان هذا يقترب من التسعيرة الجبرية».. ويسترسل قائلا »الحكومة تعتمد علي آليات السوق التي لا يوجد فيها ممارسات احتكارية من أجل ضبط الأسواق ولتوزيع السلع بأسعار مناسبة».
ولن نسأل المهندس شريف إسماعيل : كيف تكون هناك مراقبة للأسعار، و مراقبة شديدة، بينما لا تتدخل الحكومة في تحديد تلك الأسعار؟.. اللهم إلا اذا كان رئيس الحكومة يقصد مراقبة الحكومة بشدة للارتفاع المستمر للأسعار، أو كما يقول الكثير من المستهلكين الأكتفاء بالفرجة علي هذا الارتفاع في الأسعار!
ولكننا سوف نسأل رئيس الحكومة أسئلة أخري مثل : هل فعلا آليات السوق تعمل في مصر ووهل هذه الآليات هي التي تتحكم في تحديد أسعار السلع المتداولة في أسواقنا سواء كانت سلعا غذائية أو غير غذائية؟.. أم أن الممارسات الاحتكارية التي تعد هي طابع اسواقنا تعطل عمل آليات السوق وتقتل المنافسة وتجعل حفنة من المحتكرين تتحكم في تحديد أسعار السلع المتداولة في أسواقنا؟.. وأيضا كيف نقول أن آليات السوق تعمل في أسواقنا، وأن أسعار السلع فيها تتحدد طبقا لحجم الطلب وكمية المعروض منها، بينما هامش الربح لدينا في معظم السلع المتداولة في أسواقنا تجاوز ١٠٠٪ ، وهي الظاهرة التي تنفرد بها مصر من دون بقية كل الدول الرأسمالية التي تعتمد علي آليات السوق ، حيث لا تزيد هوامش الربح فيها عن ٢٠٪ نحن لا نطالب الحكومة - حاشا لله - بعودة التسعيرة الجبرية، ولكننا نطالبها بأن تحاكي ما يحدث في كل الدول الرأسمالية التي تعتمد علي آليات السوق.. أي ضمان السيطرة علي هوامش الربح كما يحدث فيها، وضمان منع الممارسات الاحتكارية فعلا التي تعطل عمل آليات السوق، وتترك المستهلكين تحت رحمة عدد محدود من المحتكرين، سواء كانوا من المنتجين أو المستوردين أو التجار.
نعم أن ثمة عوامل عديدة ساهمت ومازالت تسهم في التهاب الاسعار وارتفاع معدل التضخم، كان في مقدمتها تعويم لاجنيه الذي خفض سعره بنسبة ١٢٠٪ حاليا ، وايضا اقرار ضريبة القيمة المضافة .. ولكن هناك ايضا حتكارا واسع، وليس فقط ممارسات احتكارية، تفرض سطوتها علي
أسواقنا، وبسببها تحدث المغالاة في تحديد هوامش الربح.. وهكذا يمكن أن تتأكد منه الحكومة مثلا بمراجعة أسعار بيع المزارعين ومنتجاتهم الزراعية وأسعار بيعها للمستهلكين.. سوف تجد الفارق ضخما جدا.. ولعل ذلك هو الذي دفع البعض لمطالبة الحكومة بالاعلان عن تسعيرة استرشادية - وليست جبرية - للسلع الضرورية خاصة الغذائية، لا حراج التجار، وهو ما لم تقبل به الحكومة خشية أن يتهمها أحد أنها تفرض، والعياذ بالله، تسعيرة جبرية، واكتفت فقط بمناشدة التجار ورجال الاعمال وتوجيه الرجاء تلو الاخر لهم بعدم المغالاة في زيادة أسعار السلع والاكتفاء بهامش ربح مناسب ولفترة محدودة من الوقت لا تتجاوز عدة أشهر.
مثلما تخوض قوات الأمن لديها حربا ضد الأرهاب ومنظماته.. حرب تستهدف تفكيك الاحتكارات المختلفة التي تسيطر علي أسواقنا وتسهم في ايذاء المستهلكين بالمغالاة في تحديد هوامش الربح، وبالتالي زيادة التهاب الاسعار.. فلن يتنازل أحد من المحتكرين من مكاسبهم الهائلة طواعية أو بتوجيه الرجاءات لهم أو حتي باحراجهم.. وإنما سوف يفعلون ذلك اذا أجبرناهم علي ذلك.