المصريون
جمال سلطان
الانقلاب على نجيب ساويرس ؟!
بطبيعة الحال ، فكاتب هذه السطور ليس عضوا في حزب المصريين الأحرار ، كما أني لست عضوا في غيره من الأحزاب والجمعيات ، وهي قناعة اتخذتها منذ احترفت الكتابة والعمل الصحفي ، أن انتماء الصحفي إلى العمل الحزبي أو التنظيمي أيا كانت صفته يخصم من حريته ويحد من استقلالية قلمه ، وأذكر أن الراحل الكبير عادل حسين رحمه الله ، الأمين العام لحزب العمل ، وكنت كاتبا في صحيفة الشعب لسان حال الحزب ، وكان بيني وبينه ود واحترام كبيران ، وهو شخصية وافرة النبل والوطنية ، حدثني مرارا في الانضمام إلى الحزب قبل حوالي عشرين عاما ، فاعتذرت له في كل مرة مؤكدا على أن ذلك لا يقلل شيئا من احترامي لوطنية حزب العمل وقياداته التي أعرفها . أقول ذلك كتوطئة لتعليقي على ما حدث في حزب المصريين الأحرار ، والذي يعرف القاصي والداني أنه الحزب الذي أسسه رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس ، فتعليقي هنا لا يتصل بأي علاقه مع الحزب ولا مؤسسه ، بل الخلاف بيننا ـ سياسيا ـ ما زال قائما ، ولكن الذي حدث في حزب المصريين الأحرار الأسبوع الماضي يشبه تماما "لعبة" أمنية ألفناها مرارا أيام (طيب الذكر) صفوت الشريف والحزب الوطني المهيمن على كل شيء وقتها بدعم وإسناد كامل من داخلية حبيب العادلي ، وهي عملية إدارة الانقلابات الداخلية للأحزاب التي تحاول أن تكون مستقلة أو تخرج عن الطوع أو تمثل قلقا من أي نوع للسلطة أو القيادة ، أن يتم ترتيب الأمور مع بعض الشخصيات في الحزب للإعلان عن مؤتمر عام ، كيفما اتفق ، ومهما كان خروجه على القواعد التنظيمية أو لوائح الحزب ، ثم يقرر المؤتمر الجديد المزعوم عزل رئيس الحزب الشرعي وقياداته وتعيين قيادات جديدة ، ويلي ذلك أن يلجأ القادة الذين تم الغدر بهم إلى لجنة شئون الأحزاب ، فتحيل اللجنة الطعون إلى محكمة الأحزاب ، وهي دورة يمكن أن تستمر لجيل بكامله حتى ينقرض الحزب نفسه قبل البت في إشكاله ، وعادة يصدر قرار مؤقت للجنة الأحزاب حسب تقديرات "المهندس" ، فإما الاعتراف مباشرة بالقيادة الجديدة وعلى المتضرر انتظار حكم القضاء ، وإما أن يتم تعليق البت في الخلاف وعدم الاعتراف بشرعية أحد الجبهتين حتى يتم إنهاء الخلاف "قضاء أو اتفاقا" حسب العبارة الشهيرة والكوميدية وقتها من فرط مكرها واستخفافها بالعقول وكثرة تكرارها . حدث ذلك في حزب العمل الذين قسموه إلى نصفين ، وحدث ذلك في حزب الغد الذي أسسه السياسي المعارض الدكتور أيمن نور وحدث ذلك مع حزب الأحرار ، وأوشكوا على فعله في حزب الوفد ، واختفت هذه الظاهرة بعد ثورة يناير ، خاصة وأن تأسيس الأحزاب في غمار الثورة المنتصرة كان يجري كما هو الحال في أي دولة ديمقراطية بما يشبه الإخطار فقط ، قبل أن تتعقد الأمور من جديد ، وبالتالي لم يكن هناك أي تفكير في أي انشقاق ، فأي جبهة أو مجموعة لا يعجبها الحزب يمكنها تشكيل حزب خاص بها ، بسيطة ، وهذا ما حدث في حزب النور عندما اختلف بعض قادته ومنهم الدكتور عماد عبد الغفور ، فقرروا الانفصال وتأسيس حزب الوطن ، فلما تعقدت الأمور ، عادت الحكايات القديمة ، وقد ساءني كثيرا أن يتم عقد مؤتمر "الانقلابيين" من حزب المصريين الأحرار في فندق الماسة التابع للقوات المسلحة ، ولا أعرف مغزى ذلك ، ولكنه في كل الأحوال موقف شديد السلبية في إيحاءاته . نجيب ساويرس أحد أضلاع مرحلة 30 يونيه بدون شك ، وأحد أهم داعميها ، وخلافه مع الإخوان مشهور ، فهو ليس خصما للنظام الجديد ، ولكنه كان يملك نزعة استقلالية سياسيا ، وطموح مشروع في أن يكون له دور سياسي جاد ومؤثر ، وتجربة المهندس نجيب تحديدا كان ينبغي أن تحظى باهتمام استثنائي ، أيا كان الخلاف السياسي معه ، لأن تجربته ـ وهو رجل الأعمال القبطي ـ كان من المأمول أن تثمر في تعزيز دمج الأقباط في العمل السياسي والنشاط العام ، كنسيج في المجتمع ، فاعل ومشارك ، وليس مجرد حصة مجاملة في البرلمان يحددها رئيس الجمهورية وترشحها الكنيسة ، كما أن نجاح حزبه في أن يحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان الجديد ، رغم "الهندسة" التي تم إجراؤها باللعب في تقسيم الدوائر بالقوائم والفردي لتمكين كتلة بعينها من الفوز ، هذا النجاح للمصريين الأحرار كان جديرا بالترحاب لاعتبارات كثيرة منها ما سبق توضيحه ، ومنها حاجة مصر إلى قوى مدنية فاعلة ومؤثرة تملأ الفراغ السياسي . الأكثر غرابة أن يتم هذا كله في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من خطر الإرهاب ، ويفترض أن الدولة بكامل أجهزتها الأمنية والسيادية والسياسية في استنفار كامل لملاحقة الإرهاب والتخطيط لمحاصرته والقضاء على خطره الداهم والذي ينال من دماء أبنائنا الجنود والضباط وحتى المدنيين بصفة مستمرة ومتزايدة ، ولكن يبدو أن "البعض" يرى أن ضرب حزب المصريين الأحرار ، وتصفية نجيب ساويرس سياسيا أهم وأولى من ضرب الإرهاب وتصفية جيوبه .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف