المساء
محمد جبريل
العرب بين التوحد والانفصال
بصرف النظر عن الصواب من عدمه. في تحرك كل من الحكومة السورية وفصائل المعارضة. فإن توقيع ممثلي 13 فصيلا سوريا علي رفض اتفاقية وقف إطلاق النار التي طرحتها موسكو وأنقرة. يفرض السؤال: إذا كان ذلك هو عدد الفصائل المعارضة. فهل تحتمل القضية السورية أعداد كل الفصائل؟
لم يعد التشرذم سمة الحياة السياسية العربية علي المستوي الحاكم أو الحزبي فقط. بل إنه امتد إلي الفصائل التي رفعت السلاح ضد الواقع السياسي في بلادها.
القبلية والتشرذم ورغبة الجزء في الانفصال عن الكل. أخطر ما يعانيه ليس حاضر الوطن العربي فحسب. وإنما مستقبله كذلك. نرفع الشعارات التي تدعو إلي الكلمة الواحدة. وإلي الوحدة. لكن تصرفاتنا - للأسف - قد تتجه إلي الطريق المغايرة.
لن أذكر بحكاية الرجل الذي دعا أبناءه إلي التوحد مثل حزمة العصي. حتي لا يستغل الأعداء تفرقهم. لكنني أذكر المآسي التي عاشها الوطن العربي - ولايزال - منذ صارت الفردية لقرارات زعمائه في أعقاب انهيار دولة الخلافة العثمانية حتي الآن. النظر إلي المشهد في اتساعه عبر ما يربو عن 150 عاما يبين عن فعل الانفصال في المواقف. والاختلاف لمجرد تحقيق المكاسب الوقتية. أو تحقيق الذات.
بعد أن توحدت إرادة الشعب المصري في ثورة 1919 خلف قيادة سعد زغلول. حاولت سلطة الاحتلال أن تشق الصف الواحد بالإيعاز لبعض الزعامات السياسات أن تنشئ أحزابا معارضة تعبر عن طبقة كبار الاقتصاديين والإقطاعيين والملاك. وأحدثت تلك الأحزاب تأثيرها السلبي في الحياة المصرية. بالتفاوض المهادن مع الجانب الإنجليزي. وتحولت الأحزاب المعارضة إلي كابوس يتجدد في حياة المصريين بتحالفاتها مع الملك والسفارة البريطانية. ومعاداتها لحقوق السواد الأعظم من المصريين.
الصورة القاسية تتكرر في فلسطين المحتلة. بعد أن توحدت فصائل المقاومة في تنظيم موحد. استعادت كياناتها المنفصلة. وتكاثرت بفصائل جديدة. وانعكس ذلك في جهود قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي صارت تعكس نظرة أحادية. وتعتبر المساءلة خطأ يستوجب العقاب. وهو ما حدث بالفعل مع العديد من رموز الفكر الفلسطيني. عندما يواجه نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي تعرية لأسلوب الابتزاز في المفاوضات بين الكيان الفلسطيني والسلطة الفلسطينية. فإن النغمة الوحيدة التي يعزفها. هي تعدد جهات التفاوض. فهو لا يدري - علي حد قوله - مع من يتفاوض.
والغريب أنه عندما تبدأ الفصائل الفلسطينية في توحيد جهودها. سعيا للوحدة. فإنه يعلن رفضه لهذه الخطوات. ويتخذ إجراءات عقابية تأكيدا للرفض. ولعلنا نذكر موقفه من قيادات حركة فتح حين بدأت عمليات التقارب بينها وبين حركة حماس.
في الولايات المتحدة خمسون ولاية يحكمها دستور فيدرالي. وتعاني في الداخل خلافات تنعكس في المظاهرات والإضرابات والعصيان المدني. لكن قيادة البيت الأبيض - التي تخضع للمحاسبة فيما تتخذ من قرارات - تظل ممثلة لأطياف الشعب الأمريكي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف