الأهرام
هانى عسل
والدليل .. «قالولو»!
طالما سيادتك لا تقرأ، ولا تعرف، فلا داعى أن تدلى بدلوك فى أى موضوع أو أى قضية!


طالما معلوماتك وأخبارك كلها مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي، ومن نجوم التوك شو، فالصمت أكرم لك!

لو سألتك “ما مصدر معلوماتك” فأجبتنى قائلا : “منزلينها على النت” أو “بيقولوا” و”بيقولك”، فالأفضل أن تتنحى جانبا وتهتم بدراستك أو بعملك وأكل عيشك أفضل من “اللت والعجن” فى أى موضوع، والدليل .. “قالولو”!

فى مصر، تحولنا إلى شعب لا يقرأ، فأصبحنا مصداقا لمقولة وزير “الحرب” الإسرائيلى الأسبق موشيه ديان بأن العرب “لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبقون”، وزدنا عليها أننا نتكلم ونفتي!

فى أول محاضرة لنا بكلية الإعلام، طلب منا عملاق الصحافة الراحل الدكتور خليل صابات أن “نقرأ”، فسألناه : “وماذا نقرأ”؟ فأجاب “اقرأوا ولو جريدة يوميا .. من الجلدة للجلدة”!

أيامها، كان الشاب المصرى “العادي” يقرأ صحيفة يوميا، وكتابا شهريا، وربما أسبوعيا!

أما فى أيامنا هذه، فلا السياسى يقرأ، ولا الإعلامى يقرأ، ولا الشباب يقرأ، ولا حتى من يقال عنهم “نخب” يقرأون فى أى من المجالات التى يتحدثون فيها.

المعرفة بشكل عام تحولت إلى هواية منقرضة مثل “صانع الطرابيش”، فالشاب يتعالى على القراءة، ويخجل أمام أقرانه إذا شوهد ممسكا بكتاب أو جريدة، خوفا من أن يعتبروه “دقة قديمة”، وحتى الموبايل الذى يمسك به 24 ساعة يوميا لا يعرف طريق مواقع الكتب الإليكترونية، أو المصادر الموثوقة، والكل “سلم ذقنه” بسهولة إلى مصدرين للمعلومات : إما مواقع التواصل الاجتماعى وصحافة المواطن مجهولة المصدر، والتى كان ظهورها يوما أسود على البشرية، وإما المنصات الإعلامية الخارجية الموجهة وبرامج التوك شو ونموذج مذيع “المصطبة”، المرادف العصرى الرديء لـ”الراوي” القديم أو “شاعر الربابة” فى الأرياف أو حتى فنان “البيانولا” الذى كان يحكى ويقول ويخترع ونحن نصدقه ونصفق له!

ولأنك لا تقرأ، ستصدق العوام والغوغاء الذين أصبحوا زعماء سياسيين وخبراء قانونيين ومحللين اقتصاديين، بل وعلماء دين ونقاد فنيون وخبراء تحكيم كروي، وستسير وراءهم كالقطيع، وغالبا ستمرض نفسيا على أيديهم!

لأنك لا تقرأ، ستقتنع مثلا أنه لا توجد نظرية مؤامرة فى المنطقة، وستسمى الفوضى والعمالة “ربيعا عربيا”، والميليشيات “معارضا”، والبلطجية “ثوارا”، وستطلق على الدولة كلمة “النظام”، وعلى تطبيق القانون “قمعا”، وعلى الإصلاح الاقتصادى “تقشفا” و”بنموت من الجوع”، وستصدق أن أمريكا وأردوغان يحاربان الإرهاب، وأن تركيا قلعة الإسلام، وأن تحرير حلب “نكسة”، وقطر “ناس طيبين” .. وهكذا!

لأنك لا تقرأ، ستتقمص شخصية “تختخ” أو “المفتش كورومبو” وتقدم تفسيرات سينمائية للأحداث والجرائم والقضايا، وستستنتج سبب وفاة متهم أو تعذيب آخر، وكأنك جهة تحقيق أو صاحب مكتب طب شرعى “ملاكي”، وإذا طلب منك أحد انتظار رأى النيابة أو الطب الشرعى أو القضاء، نظرت إليه باستخفاف، مؤكدا أنك الأكثر علما ونزاهة!

لأنك لا تقرأ، ستقطع بمصير “تيران” و”صنافير” - مثلا - لمجرد أن سيادتك “عديت عليهم” فى رحلة شرم، أو لأنك مارست الغوص فى مياهها ذات يوم، وليس لأسباب جغرافية أو قانونية، وستقرأ أحكام القضاء “على مزاجك” وتصفق وتهلل وتدمع لأنك تجهل أن الحكم النهائى لم يصدر بعد، تماما مثلما حدث مع من أقنعك من قبل بأن قانون التظاهر “باطل”، قبل أن تحسم المحكمة الدستورية الأمر وتقضى بدستوريته!

عزيزى أرجوك : اقرأ قبل أن تتكلم، وابحث عن المعلومة من مصدرها الأصلى قبل أن تفتى وتتحول إلى جندى “أبله” يدمر بلده فى خضم حروب الجيل الرابع، فمن أفتى بغير علم فقد .....!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف