هل مصر بلد التناقضات؟ نعم مصر بلد التضاد والتناقضات والتقابل. هكذا يراها بعض الباحثين.. مصر بلد متعدد الأوجه.. هي بلد الألف مئذنة وقد تكون بلد الألف وجه أيضاً.
جغرافياً.. ربما لا يكون المراقب بحاجة لأن يجهد نفسه كثيراً في كتب الجغرافية العامة والجغرافية السياسية لمعرفة الظواهر الجغرافية المتناقضة لمصر لعل أبرزها انها تجمع بين الطين الأسود ورمال الصحراء الصفراء. ويكفي ان تلقي نظرة علي خريطة مصر لتتأكد ان هذا البلد الضارب بجذوره في التاريخ هو قلب العالم العربي وواسطة العقد الإسلامي وركن أركان أفريقيا وتتشاطأ مع أوروبا في البحر الأبيض المتوسط.
أما إذا اتخذت القطار من القاهرة متجهاً صوب الجنوب حتي أسوان فقد تري عجباً فنهر النيل والأرض السوداء علي جانبيه هما أهم ظاهرة جغرافية في مصر يقطع نهر النيل رحلته داخل مصر عبر ما يزيد علي ألف كيلو متر أو يزيد ويضيق الوادي جنوباً وقد يكون خانقاً في بعض المناطق خاصة جنوب أسوان ثم يتسع ويطرد ويزداد اتساعاً بالاتجاه شمالاً فيبلغ 15 كيلو متراً في قلب الصعيد حتي إذا بلغ القاهرة وتشعب إلي شعب الدلتا فرش ماءه وتربته علي أرض واسعة زادت عن 200 كيلو متر عند ساحل المتوسط.
صنع النيل أرض مصر علي شكل نخلة باسقة فالوادي الممتد من أسوان إلي القاهرة تشكل جذع النخلة أما الدلتا من القاهرة إلي المتوسط فهي جريد النخلة المتشابك كمروحة خصبة وهذه النخلة واحة في الصحراء يحيط بها الرمل والصخر من كل حدب وصوب لكن هذه الواحة الخضراء تبدو كالثوب الأخضر الممتلئ بالثقوب فقد اتسع العمران علي هذه الواحة حتي يبدو متلاحماً في بعض المناطق.
هذه الواحة قدمت للمصريين الكثير من الخيرات ما أقعد شعبها عن التمرد أو علي الأقل لم تتكرر ثورة الجياع والمحرومين ورغم كل هذه الخيرات ورغم هبات النيل لم تكن مصر جنة غناء طيلة تاريخها فمنذ السنوات العجاف في عهد نبي الله يوسف ومصر مبتلاة بنوبات من المجاعات والأوبئة المهلكة فرغم التاريخ الطويل من التعمير أجهزت الأوبئة والمجاعات علي سكان مصر بتكرارية مجاعة كل 12 عاماً حيث تعرضت مصر لأكثر من 50 مجاعة خلال خمسة قرون وهكذا ويبدو تاريخ مصر ثنائية من العطاء والحرمان.
تاريخياً تجد نفس التناقض فتارة تقتحم مصر الافاق وتبني امبراطورية عظمي تمتد من آسيا الصغري وجزر البحر المتوسط إلي غياهب غابات أفريقيا وتارة تنسحق مصر دون مقدمات أمام ثلة من الغزاة المغامرين بدءاً من الهكسوس والفرس والرومان مروراً بالعرب ثم الأتراك والأوروبيين.
إذا تركت الجغرافيا والتاريخ وسرت في أحياء القاهرة ستجد نفس التناقض فالثراء والفاقة يتعايشان وكذلك التأله والعبودية أما علي الصعيد الفكري فستجد أن بولوجيات متباينة ما بين قومية وماركسية وإسلامية إلي علمانية وتغريبة وفوضوية.
من هذه العجالة السريعة اخلص إلي القول إنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة حالياً لا ينبغي علي المصريين ان يستبعدوا شيئاً فالنمو السكاني المفرط كارثة والمصريون يدمرون الزروع ويبنون غابات من الأسمنت والمحليات بلا عقل وبلا وعي فتحويل الحقول إلي منازل خرسانية قد يوفر للمواليد الجدد بيوتاً يسكنون فيها لكن قريباً لن يجدوا ما يأكلون.