الإرهاب يجتاح العالم كله.. ولا تتأثر السياحة كما تتأثر في مصر.. ولنتذكر ما حدث في فرنسا.. وبلجيكا.. وألمانيا..وغيرها.. وأخيراً تركيا في مطلع عام جديد.. سنجد في كل هذه الدول أن حركة السياحة متواصلة.. حتي وإن ظهر بعض التأثير الوقتي.
تركيا علي سبيل المثال.. تعرضت طوال عام 2016 إلي أحداث إرهابية متعددة.. منها ما كان في مناطق سياحية مثل أنطاليا واسطنبول..وفي مطاريها الرئيسيين في اسطنبول.. مطار أتاتورك.. ومطار صبيحة.. وانتهي العام بحادث إرهابي قفز بتركيا إلي العام الجديد..وقد تخضبت النهاية والبداية بدماء أبرياء راحوا ضحية إرهاب لا يتورع عن إزهاق أرواح بريئة في سبيل تحقيق غايات وأهداف دنيئة.. يخطط لها مجرمون لا يضعون في حساباتهم غير ما يريدون الوصول إليه..لا دين يردعهم.. ولا رحمة أو شفقة بالأبرياء تمنعهم.
في شهر ديسمبر الماضي وحده حدثت ثلاثة اعتداءات إرهابية.. وسبقها علي امتداد العام إثنا عشرة حادثة أخري.. أي أنها جميعاً بحادثة رأس السنة وصلت إلي 15 حادثاً إرهابياً.. راح ضحيتها المئات من القتلي والجرحي من الأتراك والجنسيات الأخري الزائرة لتركيا.
والملفت للنظر في هذا كله. أن السياحة إلي تركيا. وإلي اسطنبول بالذات لم تتوقف..اسطنبول شهدت الجانب الأكبر من هذه الأحداث..وسقط فيها الجانب الأكبر من الضحايا.. ومع ذلك استمرت السياحة إلي اسطنبول وإلي باقي أنحاء تركيا.. ربما تكون المعدلات قد تأثرت بعض الشيء ولكن السياحة مستمرة.. ولو تحدثنا عن مصر وتركنا جانبا التآمر والحصار المفروضين علينا وكذلك إدارة الأزمة والتعامل معها.. فإننا في مصر بحمد الله لم نشهد هذا الكم من الحوادث الإرهابية بخلاف ما نراه يحدث في شمال سيناء متكرراً علي مدار العام..لم يصب سائح والحمد لله في مصر في أي من أحداث الإرهاب.. ومع ذلك تتأثر السياحة بشكل مباشر عند سماع أي حادثة تقع مع انها ليست موجهة للسياح.. وبخلاف ما وقع للطائرة الروسية فإن أحداً من السياح لم يتأثر بأحداث الإرهاب..ولكن السياحة تمضي إلي الأمام خطوة وتتراجع عشراً.. لماذا؟ هذا هو السؤال المحيِّر.. وتظهر علي الفور شماعة الصورة الذهنية.. ويثور نفس السؤال عندما نتحدث عن اسطنبول.. أليست هناك صورة ذهنية أيضاً بالنسبة لاسطنبول يتأثر بها السياح؟
في تقديري أن السبب الرئيسي لاستمرار الحركة السياحية إلي اسطنبول وغيرها من المنتجعات التركية. أن تركيا تملك شركة طيران قوية تمتد إلي جميع أنحاء العالم بعدد من الطائرات تجاوز الثلاثمائة طائرة.. إلي جانب شركة أخري يشارك فيها القطاع الخاص مع شركات أوروبية..وهاتان الشركتان تنقلان إلي تركيا معظم الحركة السياحية الوافدة إليها.. وهما بطبيعة الحال لا تتأثران بأي تحذيرات تصدر من أي دولة.. وتواصلان العمل دون انقطاع.. ومن هنا تستمر الحركة لأن وسيلة النقل متوفرة ولا تتوقف.. وإلي جانب الطيران هناك أيضاً منظمو الرحلات الروس الذين يتغلغلون في معظم بلدان أوروبا ويعملون من خلالها.. وهؤلاء أيضاً لا يتأثرون بأي تحذيرات ويواصلون العمل..أي أن تركيا تملك عنصرين مهمين لا يتأثران بالتحذيرات..ولا يتأثران بالإرهاب ويواصلان العمل دون توقف رغم التحذيرات..وحتي وإن تأثرت الأعداد الوافدة إلي تركيا نسبياً.. نتيجة العوامل السلبية التي تتأثر بها عادة كل الدول السياحية بشدة. خاصة في مصر وتونس وغيرهما..ويساعد تركيا أيضاًوسائل الإقامة التي يشارك فيها منظمو الرحلات الأتراك وغير الأتراك.. وهذا كله ينشيء مصالح لدي كل الأطراف العاملة في السياحة المستجلبة إلي تركيا.
الوضع في مصر هنا مختلف.. لدينا شركة مصر للطيران تملك نحو ربع عدد الأسطول التركي..ولدينا عدة شركات يملكها القطاع الخاص ولا تكفي طاقتها جميعاً. ولا أعداد طائراتها لنقل كل الحركة الوافدة إلي مصر..وعند أول تحذير وظهور نقص في الحركة تسارع مصر للطيران بإيقاف الرحلات منعاً للخسارة.. أو انقاص معدلاتها..أو استخدام طائرات صغيرة للمحافظة علي الخطوط ولو بأعداد أقل..وأيضاً ليس لدينا منظمو رحلات أقوياء يستطيعون العمل في الأسواق العالمية. كما لو كانوا شركات قائمة بالعمل داخل هذه الأسواق.. ولذلك فمنذ حدوث تحذيرات عقب أي حادث إرهابي. تسارع شركات الطيران الأجنبية إما إلي إلغاء الرحلات تماماً. أو التقليل منها. أو تحويل الطائرات القادمة إلي مصر إلي مقاصد سياحية أخري.. مصر في الماضي كانت تملك أذرعاً تسويقية في كثير من الأسواق العالمية.. وفقدت هذه الأذرع مع حمي الخصخصة التي أغلقت هذه الأذرع.
مصر الآن تحتاج إلي أن تكون لها شركات طيران عملاقة إلي جانب شركتها الوطنية.. تتوجه إلي أسواق لا تتأثر بتحذيرات الدول..لدينا أسواق كثيرة يمكن جلب حركة سياحية منها.. وليس لدينا طائرات تتوجه إليها. علي رأسها أسواق عديدة واعدة في أمريكا اللاتينية إضافة إلي أسواق آسيا وجنوب شرق آسيا وطبعاً بعض البلاد العربية المصدرة للسياحة والتي تبعث بهم كذلك إلي تركيا مثل المغرب والجزائر في شمال إفريقيا "مليون سائح لكل منها إلي تركيا" ثم أسواق الخليج التي يخرج منها علي الأقل عشرون مليون سائح.. ومع شركة طيران تستطيع أن تسير طائراتها لجلب الحركة من أي مكان في رحلات عارضة.. لابد لنا أيضاً من شركة سياحة كبري تتواجد في كل الأسواق المصدرة للسياحة.. شركة تساندها الدولة وتتحمل نفقات مرحلة البداية حتي تثبِّت أقدامها في أهم الأسواق.. وتشارك فيها شركات السياحة المصرية. إلي جانب مستثمرين آخرين. وإلي جانب الدولة بشكل خاص.. مع دعم شركتنا الوطنية مصر للطيران وزيادة أسطولها ودعم رحلاتها التي تحتاج دعماً.. كل هذا يمكن أن يضمن استمرارية الحركة السياحية الوافدة إلينا. والتقليل من تأثرها بالإرهاب أو تحذيرات الدول من الإرهاب في عالم بات عليه أن يتعايش مع هذا الإرهاب الذي أصبح سمة العصر..وسوف يأخذ وقتاً طويلاً لمحاصرته والقضاء عليه.