حافظ أبو سعدة
أخطاء الحكومة فى إحالة اتفاقية تيران وصنافير للبرلمان
ارتكبت الحكومة المصرية أخطاء جسيمة بشأن ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، التى انتهت إلى الإقرار للأسف بخروج جزيرتى تيران وصنافير، وهما جزيرتان مهمتان للأمن القومى المصرى، وكانتا محلاً لأعمال عسكرية وأريق دم مصرى على أرضهما، وهما تشكلان أهمية خاصة لمضيق تيران وخليج العقبة، اتضحت هذه الأهمية فى الخمسينات والستينات من القرن العشرين عندما فرضت مصر رقابة على السفن العابرة لهذا المضيق، وتم عمل وحدة جمركية مصرية قامت بتفتيش السفن البريطانية والأمريكية ومنع السفن الإسرائيلية من المرور، باعتبار أن المياه فى هذا الخليج مياه إقليمية مصرية طبعاً قبل صدور الاتفاقية الدولية للبحار التى انتهت إلى أن مضيق تيران ممر مائى دولى وتلتزم بذلك مصر كمبدأ المرور الآمن للسفن أياً كانت جنسية السفينة أو العلم الذى ترفعه عام 1982 وانضمت مصر إليها.
لكن ظل هذا الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ لأنه وفقاً للدستور المصرى المادة 151 يجب أن يمر الاتفاق بعدد من الإجراءات منها موافقة رئيس الجمهورية وتوقيعه على الاتفاق ثم عرضه على البرلمان ثم عرضه على الاستفتاء، إذا اعتبرنا أن هذا الاتفاق يتعرض لأعمال السيادة وليس حقوق السيادة، حيث يحظر الدستور المصرى تماماً على السلطة التنفيذية إبرام أى اتفاقيات يترتب عليها التنازل عن أراض أو أجزاء من الإقليم المصرى، وهى الإضافة التى تمت لدستور 2014 لمنع أى رئيس من التصرف فى الأراضى المصرية بعد أن أشيع أن الرئيس الأسبق محمد مرسى كان ينوى أن يتنازل عن جزء من أرض سيناء فجاء الدستور قاطعاً فى منع التنازل عن أى أرض، وهو الأمر الذى أخرج مثل هذه الاتفاقيات من اعتبارها عملاً من أعمال السيادة، وهذا هو الفرق بين حكم محكمة القضاء الإدارى باعتبار أن ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وقبرص عمل من أعمال السيادة يخضع فقط لتصديق البرلمان، بينما رفضت ذات المحكمة هذا الدفع فى قضية تيران وصنافير، لأنها تتضمن تنازلاً عن الأرض.
هناك وثائق كثيرة وخرائط تثبت ممارسة مصر السيادة على الجزيرتين منذ عام 1906 كما أثبتها سفير مصر ومندوبها أمام مجلس الأمن فى الرد على شكوى إسرائيل ضد مصر عام 1954 لفرض مصر السيطرة على المضيق والممر المائى خليج العقبة، لكن أهم وثيقة تثبت ممارسة مصر السيادة فى الحقيقة هى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل المنشورة بالجريدة الرسمية العدد 14 (تابع) 5 أبريل 1979، وحددت المناطق بأربع مناطق، ثلاث داخل حدود مصر هى المناطق أ، ب، ج بينما المنطقة د داخل إسرائيل، ما يهمنا هنا أن المنطقة ج وفقاً للاتفاقية يحدها من الغرب الخط «ب» (الخط الأخضر) ومن الشرق الحدود الدولية وخليج العقبة، كما هو موضح بالخريطة رقم 1، التى تضم جزيرتى تيران وصنافير، ليس هذا فقط المادة السادسة بعنوان عمليات الأمم المتحدة الفقر 2/ د «يتفق الطرفان، كل فيما يخصه، على طلب الترتيبات التالية فيما يتعلق بقوات ومراقبى الأمم المتحدة» وضمان حرية الملاحة فى مضيق تيران وفقاً للمادة الخامسة من معاهدة السلام، ثم تنتهى الاتفاقية فى المادة الثامنة بعنوان «ممارسة السيادة المصرية» وتنص الفقرة على أن تستأنف مصر سيادتها الكاملة على الأجزاء التى يتم إخلاؤها فى سيناء بمجرد انسحاب إسرائيل من هذه الأجزاء، كما هو منصوص عليه فى المادة (1) من هذه المعاهدة.
إذن لدينا وثيقة دولية مودعة بالأمم المتحدة قاطعة أن مصر دولة تمارس السيادة بشكل دائم على الجزيرتين باعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من التراب المصرى، فكل ما يقال غير صحيح بأن مصر بمثابة مستأجر أو أنها كانت مؤتمنة على الجزر فلم تمارس المملكة العربية السعودية السيادة على الجزر فى أى وقت منذ عام 1906، فلا يجب أن تستمر الحكومة فى أخطائها ونقل المشكلة للبرلمان المصرى.