الأهرام
محمد عبد الهادى علام
وماذا بعد..؟ .. الحرب على الفساد.. والحرب على أنفسنا!
كيف يمكن لنا أن نفسر حملات التشكيك الموجهة للحرب على الفساد التى حققت نتائج مدهشة فى الأسابيع الأخيرة؟ لا أدرى كيف يمكن أن نطالب بمواجهة الفساد وقطع دابر المفسدين فى مجتمعنا، ثم ننهك أنفسنا فى مجادلات عبثية عن القضايا التى ضبطتها هيئة الرقابة الإدارية، وتباشر النيابة العامة التحقيقات فيها!.. وكيف تجرؤ جهة أو شخص على اعتبار نفسه فوق المحاسبة، ورئيس الدولة نفسه يعلن أنه مستعد للمحاسبة؟!

مبعث القلق على مستقبل هذا البلد هو تلك الحالة المزمنة فى تصدير الشكوك مع كل موقف، وزاد على الحوارات العبثية المتنامية تلك النافذة المفتوحة، وأعنى بها مواقع التواصل الاجتماعى التى تحيل أي قضية إلى حالة من الجدل العقيم بين أكثر من فريق، واحد يتبنى نظرية المؤامرة، ويحاول أن يقيم برهانا على أن الدولة تديرها مؤامرة كبرى يشارك فيها كل مسئوليها، وأن كل ما يجرى من عمليات ضد الفساد هو مجرد غطاء لأشياء أخرى غير مشروعة!!

وهناك فريق آخر لا يرى أى واقعة فساد سوى جانب واحد ويهيل التراب على الصورة الكاملة، وهو ما يوجد تشويشا يصعب إصلاحه، ويدفع بكثيرين إلى اليأس من الإصلاح، أو على الأقل يخفض من عزيمة المواطن على المشاركة فى تعقب الفساد، سواء بالفعل الإيجابى بالإبلاغ أو التنبيه إليه، أو عن طريق بث روح الإيجابية والمثابرة فى مواجهة تلك الظواهر السلبية، التى سكتنا عنها عقودا، ثم ارتدت إلينا اليوم فى صورة تراكم بغيض، وغير معقول من المشكلات المزمنة التى لم يعد الصمت إزاءها مقبولاً أو خياراً.

لو نظرنا بشكل موضوعى - بعيدا عن الانفعال الوقتى بالأحداث - سنجد أننا فى حاجة إلى تقييم جاد لأوجه الفساد المختلفة، وطبيعة الأشخاص المتورطين أو المتهمين فى تلك القضايا المفزعة فى تفاصيلها، وفى وظائف الضالعين فيها... فى وسط الصخب الدائر، لم نتوقف كثيرا أمام البيئة الاجتماعية التى خرج منها كل هؤلاء المجرمين المفسدين، وهى البيئة التى قدمت لنا أناسا فى مستويات اجتماعية أفضل من غيرها كثيرا، ولكنها أكثر عرضة للإفساد بما يدعو للدهشة والاستغراب.







م.شريف اسماعيل واللواء محمد عرفان


هناك دراسة أجراها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قبل سنوات ذكرت أن 88 % من المواطنين يرون أن انخفاض الأجور والمرتبات أحد أسباب الفساد، وأن الموظفين يقبلون الرشاوي بحجة أن مرتباتهم لا تكفي لإطعام أولادهم... ربما يكون ما سبق صحيحا وينطبق علي فئة من المرتشين، ولكنه لا يكفي لتبرير أسباب انحراف شخصيات في مواقع قيادية رفيعة، وفي هيئات مرموقة، ولا يعانون من ضعف المرتبات أو الدخول السنوية!

مع المواجهة الصريحة للفاسدين في أجهزة الدولة المختلفة، يستوجب الأمر الصراحة في توصيف وتحليل الظاهرة الخطيرة من جانب خبراء في علم الاجتماع وعلم النفس والمتخصصين في دراسات الجريمة من أجل استجلاء ما وراء الأقنعة التي تعيش بيننا وهم يمارسون أقصي درجات الفساد، من نهب لثروات الأمة ولقوت الشعب دون وازع من ضمير أو أخلاق... المسألة تحتاج إلي عمق في البحث فربما يقودنا التعمق في تلك الظاهرة إلي نتائج إيجابية تسهم في توصيف أمراض أخري منها ضعف منظومة القيم الاجتماعية وتشوهات الشخصية المعاصرة التي تميل إلي الفردية والأنانية والمادية المفرطة.

>>>

في منتصف المدي الزمني لتطبيق «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» المعلن عنها للفترة ما بين 2014 ـ 2018 نستطيع أن نقول إن الأهداف الموضوعة تسير علي نحو جيد، وهي التي تقوم بالأساس علي رؤية للارتقاء بمستوي الأداء الإداري والحفاظ علي المال العام، وللتأكيد علي أن النزاهة والشفافية والمساءلة تعد أولوية للدولة في جميع المجالات.. ووفقا لما هو محدد في الوثيقة الوطنية «ترمي الاستراتيجية إلي وضع خطة واقعية لمكافحة الفساد في مصر، تعتمد علي الإمكانات والطاقات المتاحة بهدف الحد من مظاهر الفساد بالمجتمع، وتقويم سلوك الأفراد للارتقاء بالأداء لتحقيق التنمية المستدامة، والرفاهية للمواطنين».. وتتفق المبادئ الطموحة للاستراتيجية المصرية مع ما هو معلن في تقارير الأمم المتحدة.

العبء ثقيل في استراتيجية المواجهة كون تفتيت الجهود وإثارة الشكوك في قدرة الأجهزة علي الملاحقة، هو خصم وخسارة لعملية تعبئة المجتمع في التصدي للفساد، سواء في الجهاز الإداري والسلطة التنفيذية، أو في التعاملات بين الجهاز الحكومي والقطاع الخاص.

>>>

قضايا الفساد الأخيرة وحجم الأموال المعلن عنها جاءت صادمة للرأي العام وكاشفة عن فداحة الجرائم التي يواجهها جهاز الرقابة الإدارية في كل مفاصل الدولة. وتلك القضايا لا تعني - مثلما يقول البعض - تشويها لسمعة مصر، أو تلحق ضررا بمناخ الاستثمار لسبب واحد - من وجهة نظري - وهو أن النسب والأرقام الخاصة بحجم الفساد في مصر موجودة في تقارير دولية كثيرة، ولا يخفي عن أحد أن من يريد الاستثمار في أي بلد ينظر إلي مؤشرات الشفافية والمحاسبة، وحكم القانون، ونزاهة الجهاز الحكومي الذي سيتعامل معه المستثمر، وفي هذا الصدد فإن جهد جهاز الرقابة الإدارية يخدم بشكل مباشر تشجيع الاستثمار الحقيقي والمستثمرين الجادين.

إن شن حرب علي الفساد لا يعيب أي مجتمع علي الإطلاق ولكن العيب هو إيجاد مبررات واهية لمنع جهود المكافحة بحجة أن أحوال البلد وسمعة البلد لا تحتمل. فقد خاضت دول كبيرة ـ وعلي رأسها الصين ـ حربا لا هوادة فيها مع الفساد الحكومي ونجحت في كسب المعركة وكسب ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين، وكانت النتيجة هي ما نراه اليوم من تقدم للاقتصاد المحلي وحجم غير مسبوق للاستثمار الأجنبي المباشر.

>>>

لن تتحقق أهداف محاربة الفساد دون تضافر جهود إصلاح الجهاز الإداري للدولة مع تحركات الأجهزة الرقابية لضبط العناصر الفاسدة، وهنا يأتي دور الجهاز المركزي للمحاسبات في تعقب الحالات الصارخة في أجهزة الدولة وتقديم المسئولين الفاسدين إلي النيابة العامة.. فرئيس الدولة حذر مرارا وتكرارا من استشراء الفساد، ولم يقل يوماً إن مصر خالية من الفساد، أو جادل في النسب المعلومة عن حجمه في البلاد والفارق بينه وبين آخرين أنه يزن الأمور من موقعه بطريقة مختلفة، فهو لا يتعامل مع افتراضات أو معلومات منقوصة، ولكنه يفضل التعامل مع المعلومة المتكاملة، ولا يتواني عن تغليب المصلحة العامة في أي قضية مادام قد تأكد من وجود مخالفة واضحة للقانون.. ففي حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية قبل شهور قال: «أنا لا أميل لاتخاذ إجراءات استثنائية لكننا بالقانون سنتخذ إجراءات رادعة لمكافحة الفساد، ومحاربة الاحتكار، بما يؤمن احتياجات الجماهير، ويحد من الجشع وتخزين السلع والاتجار في أقوات الشعب».

هناك عشرات الأمثلة في الشهور الأخيرة التي تؤكد جدية الرجل في استئصال الفساد.. ولا أجد مبررا لتلك الملاسنات المغرضة، والتشويش المتعمد علي جهود مكافحة الفساد، وتضليل الرأي العام بإثارة اللغط - حول مصداقية استراتيجية محاربة هذه الظاهرة اللعينة في مجتمعنا ـ سوي أن هناك من يعيشون علي الفساد، سواء بالكسب غير المشروع أو بالمتاجرة السياسية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف