بسيونى الحلوانى
لوجه الله .. حوار وطني.. في سرادق عزاء!!
لم تمنعنا المناسبة الحزينة بوفاة ابن عمي الحاج محمد الحلواني من قضاء بعض الوقت في الحديث عن هموم الوطن وما يعاني منه كل فئات الشعب خاصة الفئات الكادحة التي تواجه غلاء فاحشا طال كل شيء خاصة أسعار المواد الغذائية واختفاء بعضها من الأسواق ومعاناة الكثيرين في تدبير احتياجات أسرهم اليومية.
بمجرد أن جلست مع بعض أهلي داخل سرادق العزاء في ساحة منزل الحاج سامي الحلواني وأشقائه انتظاراً لطوفان المعزين الذين حضروا من كل فج عميق للمشاركة في وداع الرجل الطيب.. فتح أحد الجالسين حواراً وطنياً صادقاً حول المشكلات اليومية التي يعاني منها محدودو الدخل ومسئولية الحكومة عنها وكانت المبادرة بسؤال مكرر "البلد رايحة علي فين" الناس مخنوقة وعلي حافة الانفجار.. هناك أسر تنام وبطون أطفالها خاوية وهناك بيوت لا تدخلها اللحوم لعدة أسابيع بعد أن ارتفع سعر الكيلو في الريف وهو المنتج للحوم إلي 120 جنيها.
وهنا تدخل الحاج محمد الحلواني من رجال أعمال كفر الدوار ليؤكد ان البلد في حالة إصلاح اقتصادي يتطلب تكاتف الجميع لا ينكر أحد ذلك.. لكن الفقراء ومحدودي الدخل يعيشون حياة صعبة ويحتاجون ما يوفر لهم مقومات الحياة الكريمة وهذا لا يتوفر الآن لكثير من موظفي الدولة الذين نطالبهم بالعفة وعدم مد أياديهم لقبول رشوة أو هدية من أحد.. وإذا كنا نطالب الشعب بالتحمل فلا يكفي أن نقدم له بعض المواد الغذائية بأسعار معتدلة ونتركه لجشع واستغلال كثير من الشركات والتجار الذين يتلاعبون بالأسعار ويفرضون ما يحلو لهم من ربح دون أن تقوم الحكومة بواجباتها في رقابة الأسواق وردع المستغلين لحاجة الناس.
وهنا يتدخل الحاج مسعد الحلواني ويلتقط خيط الحديث من ابن عمه ويقول: كيلو السكر وصل 18 جنيها في العديد من القري وأصبح يهرب ويباع من البيوت وكأنه مخدرات رغم ان الحكومة تعلن يومياً عن طرح كميات كبيرة من السكر والمواد الغذائية.. فأين تذهب هذه الكميات؟ ولماذا لا توزع هذه السلع علي المواطنين بشكل عادل حتي لا نخلق سوقا سوداء لكل سلعة يحتاجها الناس؟ ولماذا لا تدعم الدولة الفلاح وتوفر له مستلزمات الانتاج بسعر معتدل لكي تساعده علي انتاج الغذاء الذي يحتاجه الجميع بدلاً من الاستيراد من الخارج؟ لقد وصل سعر شيكارة السماد الصناعي إلي 200 جنيه بعد أن كانت ب 100 جنيه منذ أسابيع!!
رد الحاج مصطفي عبدالعال وهو من الشخصيات الوطنية المحترمة وقال: ربنا ينتقم من الاخوان يخزنون المواد الغذائية في بيوتهم بكميات كبيرة لعمل أزمة في السوق ودفع المصريين الوطنيين إلي حالة من الغضب والسخط علي الدولة وكبار المسئولين فيها.. وهذا لن يحدث فالغالبية العظمي من الجماهير واعية لمخططاتهم ولن تكفر بالدولة والرئيس ولو ناموا بدون طعام وشراب.
ويلتقط المهندس الزراعي عاطف ادريس خيط الحديث ليؤكد اننا نحن الشعب مسئولون أيضاً عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية خاصة اللحوم حيث لم نعد ننتج في قرانا ما يكفي احتياجاتنا الأساسية من البروتينات كما لم نعد ننتج اللحوم ونذبح إناث الماشية تحت سمع وبصر الحكومة ولا توجد عقوبات لمن يفعل ذلك.. كما ان هذا الشعب الذي يشكو من ضيق ذات اليد من أكثر شعوب العالم اسرافا في الطعام والشراب.
هذا الحوار الوطني الذي شارك فيه بعض الموظفين الذين يحصلون علي أجور متدنية لا تفي باحتياجات أسرهم ومنهم المدرسون.. أحمد الحلواني وسامي الخولي يؤكدان أن المصريين في المدن والقري يدركون التحديات التي تواجه الدولة والمؤامرات التي تتعرض لها مصر من بعض الدول التي تحتضن الاخوان والتي تريد أن تفرض وصايتها علي مصر وشعبها.. لكن كل هذا لا يعفي الحكومة من المسئولية عن رقابة الأسواق ومواجهة طوفان الغلاء غير المبرر والذي طال كل شيء.
ليس معقولاً أن تحصل الحكومة من الفلاح علي طن الأرز "الشعير" بألفين من الجنيهات كما قال الحاج مسعد الحلواني وتبيع كيلو الأرز بعشرة جنيهات ولمن يذهب فارق السعر؟
ليس معقولاً أن تترك الحكومة شركات الألبان ترفع سعر لتر اللبن من 10 إلي 14 جنيها وهو منتج محلي وقد حصلت هذه الشركات علي دعم الدولة وأقامت مزارعها علي مساحات شاسعة من أراضي الدولة التي حصلت عليها بملاليم تحت ستار تشجيع الاستثمار.
ليس مقبولاً أن يرتفع سعر كيلو اللحم في أحد المتاجر الكبري بالقاهرة إلي 180 جنيها ولا يذهب مسئول من وزارة التموين ليسأل القائمين علي هذا المول التجاري الذي يرتاده الآلاف يومياً: لماذا هذا الغلاء الفاحش؟
لقد رأيت كثيراً من المترددين علي قسم اللحوم في هذا المول ينصرفون في حسرة بعد مشاهدة قائمة الأسعار الجديدة وهم يرددون عبارات كلها سخط وغضب.
والأمر لا يقف عند المتاجر الكبري في المدن فقد سيطر غلاء اللحوم علي أهل الريف وأصبح الكثيرون يكتفون بمشاهدة اللحوم عند بعض الجزارين دون أن يفكروا فيها.
الشعب يغلي من الغلاء ولا ينبغي أن تكتفي الحكومة وأجهزتها الرقابية بالفرجة واطلاق التصريحات الوردية التي تضاعف من غضب وسخط الشعب.