فيتو
الاكليريكى / يونان مرقص
عيد الميلاد المجيد
زيارة العذراء مريم لأليصابات..
في زيارتها لأليصابات ترنمت بتسبحتها الشهيرة قائلة:" تعظم نفسي الرب فتبهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى اتضاع أمته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني، لأن القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس"

وتمضي الأجيال ولا يكف جيل واحد عن تطويب البتول، ولا تتوقف التأملات الروحية في هذه التسبحة العذبة: هذه الكلمات التي رددتها العذراء الطاهرة لم تكن مجرد رد فعل لإعلان السماء لها بحملها وولاتها لأبن الله مخلص العالم، بل كانت هذه الكلمات حياة كاملة تحياها العذراء مريم بكل كيانها ولهذا استحقت هذا الأختيار الإلهي.

لم تكن هذه المشاعر وقتية بل كانت مستقرة في أعماقها، أمر عجيب أن تهتف العذراء وتتهلل طوال حياتها قائلة:" لأن القدير صنع بي عظائم".. فمن وجهة النظر المادية العالمية التي ينظر بها كثير من الناس سنجد حياة العذراء مريم خالية من الراحة والبهجة التي تستوجب هذا الشكر العميق لله، وفي طفولتها عاشت في الهيكل بعيدًا عن كل مباهج العالم وحياة اللهو التي يعيشها الأطفال، ثم خطبت لشيخ مسن ليتولى رعايتها، وتعرضت في حملها لبعض الشكوك من خطيبها حتى إنه أراد تخليتها سرًا قبل أن يكشف له الله سر هذا الحمل الإلهي.

ثم عاشت حياة الاحتمال والصمت والتأمل وهى تتابع أبنها السيد المسيح يتمم رسالته في عذابات وصلب وموت، حياة يصعب على الكثيرين أن يشعروا خلالها بأي فضل الله عليهم ويعصب عليهم أن يرددوا أثناءها "لأن القدير صنع بي عظائم"، ولكن العذراء كانت من طراز مختلف كانت ترى يد الله تعمل معها في كل حدث وكانت تدرك تمامًا أن جميع الأنبياء تعمل للخير.

استطاعت ببصيرتها الروحية أن تدرك أن القدير يصنع معها أعمالًا عظيمة على الرغم من أن الظواهر الخارجية توحي بغير ذلك، لم تر في الهيكل الذي أانضمت إليه في طفولتها مكانًا يحرمها من المتعة، بل رآت فيه روحياتها وتتفرغ فيه للتأمل والصلاة، ثم تر في يوسف النجار الإنسان الذي يكبرها بسنوات كثيرة ولا يتناسب مع شبابها، بل رآت فيه القديس الطاهر الذي سيسهر على حمايتها ورعايتها فيقتربان معًا أكثر إلى الله، لم تشعر بخوف أو قلق في بداية حملها، كانت تثق تمامًا أن الله مدبر الكون كله سيدبر هذا الأمر، وسيوضح ليوسف النجار كل شيء، كانت القديسة العذراء هذا النموذج الفريد الذي يستطيع أن يشكر على كل حال وكانت قادرة أن تردد باستمرار: "لأن القدير صنع بي عظائم ".

أحبائي القراء ما أحوجنا لأن نتشبه ونقتدي بسيدتنا العذراء مريم، تحتاج أعيننا لاختراق هذا الظلام الدامس للعالم والمادة، والذي يحجب عنا كثيراُ من الأمور لنرى عمل الله الرائع في حياتنا، ونحتاج للكثير من الإيمان الحقيقي الذي يمكننا من إدراك حقيقة أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، كم من أمور تخيلنا وقتها أنها مشكلات وضيقات ثم اتضح أنها لخيرنا ونفعنا، ونحتاج لأعين روحية ترى وتعاين صنيع الله وتدبيره في كل تفاصيل حياتنا وعندها سنردد باستمرار قائلين: لأن القدير صنع بي عظائم واسمه القدوس ورحمته إلى جيل الاجيال للذين يتقونه، فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني، فإننا نقول لها طوباك يا مريم ثم طوباك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف