المساء
مؤمن الهباء
موت الأحزاب
ليس حزب "المصريين الأحرار" وحده الذي يصارع الموت.. حزب "المؤتمر" أيضا يشهد أزمة كبيرة بين رئيسه والأمين العام بسبب الصراع علي السلطة والاختصاصات.. مما أدي إلي موجة استقالات جماعية صارت تهدد تماسك الحزب ووحدته.. وفي محاولة يائسة للانقاذ أجري عدد من قيادات الحزب اتصالات مع مؤسسه عمرو موسي لاحتواء الأزمة ضمانا لبقاء الحزب علي قيد الحياة.
أما أزمة حزب "المصريين الأحرار" فهي أكثر تعقيداً.. وتحتاج إلي معجزة لحلها.. لأنها تتعلق بانقلاب رجال ساويرس مؤسس الحزب ومموله انقلاباً عنيفاً ومفاجئاً عليه والتخلص منه نهائياً.. الرجال الذين وضعهم في مواقع القيادة واطمأن لولائهم الكامل له باعتباره الأب الروحي للحزب وصاحب الكلمة الأولي والأخيرة عليهم.. حتي عرف الحزب بين النخبة السياسية باسم "حزب ساويرس".. هؤلاء الرجال عقدوا جمعية عمومية طارئة وأعلنوا إزاحة مجلس الأمناء الذي يرأسه ساويرس.. والذي كان يشكل سلطة فوقية للوصاية والإرشاد.
تكررت عندنا مؤخراً فكرة "مؤسس الحزب" الذي يقوم بدور الأب الروحي أو الزعيم التاريخي أو المرشد.. ويدير الحزب من وراء ستار دون أن تكون له مهام تنفيذية واضحة.. وهو الذي يمسك بكل الخيوط ويحركها كيف يشاء.. ولم يكن المهندس نجيب ساويرس صاحب الاختراع.. فقد سبقه كثيرون وجاء من بعده كثيرون.. اعتمدوا علي دورهم التأسيسي في التنظيم والتمويل.. وضع ألف خط تحت كلمة "التمويل".
لكن هؤلاء الآباء المؤسسين نسوا شيئاً مهماً.. هو أن التمويل لا يمكن أن يضمن بقاء الحال علي ما هو عليه.. ولا يضمن استمرار الولاء.. ولا يعطي حصانة ضد الانقلاب.. فإذا كان المؤسس يبذل المال ليدير الحزب ويوجهه ويتحكم فيه فهناك دائما من هو علي استعداد لتقديم مال أكثر.. ولديه عناصر تأثير للغواية والإغراء والضغط لكي يزيح هذا المؤسس "الأب الروحي" إذا ما انتهي الدور الذي يلعبه.. أو صار غير مرغوب فيه.. أو خرج عن الخط المرسوم له.
والحقيقة أن كثيراً من أحزابنا ولد في ظروف غير طبيعية.. وبالتالي يموت وينتهي دوره في ظروف غير طبيعية أيضا.. أساساً التجربة الحزبية التي بدأت عام 1974 نشأت بقرار رئاسي لتشكيل 3 أحزاب.. حزب السلطة الذي هو حزب الوسط أو "حزب مصر".. ثم حزب يميني "حزب الأحرار" وحزب يساري "حزب التجمع".. ثم عني للرئيس السادات أن يكون له حزبه الخاص فأنشأ "الحزب الوطني" الذي هرول إليه الأغلبية العظمي من "حزب مصر" بحسبانه حزب السلطة الجديد.. ثم نشأت بعد ذلك أحزاب كثيرة وماتت أحزاب كثيرة.. وظلت التجربة الحزبية رهناً بإرادة السلطة هي التي تعطي الشرعية أو تسحب الشرعية وهي التي تحدد قيادة الأحزاب ودورها حتي عدد مرشحيها في الانتخابات.. ومن يشذ عن ذلك مصيره الموت التام.
هذه النشأة الحزبية في أحضان السلطة لم تخلق أحزاباً سياسية حقيقية مرتبطة بالشعب ولها أفكارها وتوجهاتها المميزة التي تشكل بديلاً مقبولاً للحكومة إذا ما أتي بها الشعب إلي سدة السلطة في انتخابات حرة نزيهة.. لم تكن لها حاضنة شعبية قوية لذلك انتهي معظمها بالموت.. نعم لدينا أحزاب كثيرة تتجاوز المائة حزب.. لكن لدينا أيضا ظاهرة موت الأحزاب أكثر من أي بلد آخر.. لأنها أحزاب لا تقوم علي الفكرة.. وإنما تقوم في الغالب علي المصلحة.. وإذا كانت لها فكرة فمن السهل أن يدس فيها فيروس القتل عمداً لإنهاء دورها والقضاء عليها.
وقد تصور المهندس نجيب ساويرس أن المال يبني حزباً حقيقياً.. وإن امتلاكه مصادر التمويل يتيح له أن يحافظ علي الصيغة التي أقام حزبه عليها.. وقد اعتمد علي المال أكثر مما حرص علي بناء رؤية متماسكة ومقبولة شعبياً للحزب.. حتي حصل حزبه علي 65 مقعداً.. وهو أكبر عدد حصل عليه حزب في البرلمان القائم.. والمال ضروري لاشك في العمل الحزبي.. لكن الأهم منه أن تكون للحزب قاعدة سياسية ورؤية متميزة يؤمن بها قطاع عريض من الشعب.. فتحصنه ضد الموت.. وضد الانقلاب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف