الأهرام
سكينة فؤاد
وماذا بعد؟!
هل سنكتفي بالفرجة والشجب والإدانة حتي يصير ذبح المصريين، سواء من المسيحيين أو ممن يختلفون مع أصحاب الفكر الضال والمضلل والظلامي والخارج علي حضارة وثقافة ورحمة الإسلام، شريعة تحكم وتتحكم في المصريين، وتبدل هويتهم الحضارية، وتمحو تاريخهم، وربما جغرافيتهم أيضا؟!! وهل سنترك سيوف الإرهاب والتطرف لمطاردات الأمن ودون مواجهات فكرية قادرة علي اجتثاث سموم الأفكار الضالة التي لا صلة لها بصحيح الدين، من عقول دُمرت وخُربت، ومن مواصلة تدمير وتضليل عقول وأرواح أجيال جديدة؟َ!!

{ لقد شهدت القاهرة الأسبوع الماضي حدثا بالغ الأهمية عقده الأزهر لحقن دماء المسلمين في بورما، وسعدت بالخطاب المهم الذي ألقاه فضيلة الإمام أحمد الطيب ودعوته إلي السلام والتآخي، وتحليله الرائع لموقف الإسلام من أصحاب الكتب السماوية وغير السماوية، والسمو والرقي الذي تحدث بهما عن البوذية، وما تمتلئ به من تعاليم رحمة وأخلاق وإنسانية، ودعوة الإمام التي لخصتها عبارات بالغة الأهمية «أنه لا سبيل لنزع فتيل الحقد والكراهية إلا بتطبيق مبدأ المواطنة.. وما تقرر في الأديان الإلهية كلها، وفي كتبها المقدسة وتعاليمها، أن إرادة الله شاءت أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم، وألوانهم، ولغاتهم، وأعراقهم، ولو أراد سبحانه أن يخلقهم جميعا علي دين واحد، أو يجعلهم لونا واحدا، ولغة واحدة، وجنسا واحدا لفعل.. «وأن الأديان كلها تؤكد هذه الحقيقة المحورية في فلسفة الخلق والتكوين، وتوالت من قيادات فكرية كبيرة في مصر، ومن اتحاد جمهورية ميانمار رسائل سلام عظيمة تؤكد دور ورسالة الأزهر، تمنيت أنها وبنفس القوة والقدرة بداية المهمة الوطنية والإيمانية التي تأخرت كثيرا لتجديد وتحديث الخطاب الديني الذي يدرك عصره، ومتغيرات زمانه، ويحمل نورانية ومبادئ وقيم الإسلام الحق حملا ميسرا، وقادرا علي النفاذ إلي العقول والأرواح، ويفتحها لإشراقات النور والحضارة والثقافة، ويطلق قواها الروحية والإنسانية، ويحصنها ويغلقها في وجه دعوات الكراهية والعنف والتطرف، واستحلال وإهدار الدم.

استعدت أحداث ودعوات المؤتمر وأنا أتابع الجريمة الإرهابية البشعة لذبح مواطن مصري بسيف أو سكين ملتاس ومتهوس يتصور أن عليه أن يطبق ما يعتقد أنه تطبيق لشرع الله علي من يوحي إليه تهوسه بأنه خارج علي هذا الشرع، ولتتفجر تعليقا وتعقيبا علي الجريمة البشعة آراء بالغة الخطورة في تطرفها، وأخري تمتلئ بنورانية الإسلام وحضارته وإنسانياته واحترامه للأديان السماوية جميعا، والسؤال الذي يفرض نفسه.. هذا الفكر المستنير بحق وحقائق الدين، والذي يردده علماء أفاضل كلما انفجر حادث تطرف أو طائفي. ومثلما استمعت إليه بعد جريمة الإسكندرية من الشيخ صبري عبادة، والشيخ الزيان في حوارهما المهم مع الإعلامي القدير وائل الإبراشي ببرنامج «العاشرة مساء»، ما ردد الشيخان الجليلان وأضافا وأفاضا عن سماحة وإنسانيات الإسلام، وعظيم وعميق احترامه للأديان الأخري، وتصحيح تفسيرات خاطئة لبعض الآيات الكريمة ـ لماذا لم تستطع هذه الأصوات المحترمة والمقدرة أن تؤثر وتنتشر وتصحح ما ضل من أفكار ومعتقدات وتركت البؤر الملتهبة للتطرف تؤثر وتتسع وتنشر دعوات استحلال الدماء والكراهية والقتل.

ألا يجب أن نواجه أنفسنا بصراحة وأمانة وصدق عن أسباب ودواعى التقصير الفكرى والاجتماعى والتعليمى والثقافى قبل أن يتحول ذبح البشر واستحلال دماء كل من تختلف معهم الجماعات المتطرفة الى منهج حياة أوليس بقدر قيمة وأهمية الدور المنتظر من مؤسسة الازهر يجب أن تتوجه بسؤال يرتبط بواحدة من الرسائل المهمة التى وجهها المؤتمر الذى عقده الأزهر حول تحقيق السلام فى بورما والتى أكد فيها الامام الطيب أنه لا سبيل لنزع فتيل الحقد والكراهية الا بتطبيق مبدأ المواطنة ـ هذا المبدأ المرفوض من فكر هذه الجماعات والتى لم يعد يكفى انزال العقوبات العاجلة والمشددة ولكن أيضا الى جانب المواجهات الفكرية المستمرة والدائمة والتى تمد جسورا لا تنقطع مع الاجيال الشابة والصغيرة ـ بتجفيف منابعه سواء فى صورة مدارس أو جمعيات أو أحزاب واحترام ما جاء فى الدستور.

{ أين اللجنة التى دعا الرئيس السيسى فى الاحتفال بمولد الرسول صلوات الله وسلامه عليه لتكوينها من كبار العلماء والخبراء المستنيرين فى الاجتماع وعلوم النفس والدين والتربية والتعليم والعلوم الانسانية والمثقفين.. وطلب الرئيس من اللجنة ان تقوم بالمهمة التى دعا اليها منذ توليه الرئاسة وهى تنقية الخطاب الدينى من كل ما شابه ونسب اليه مما يتنافى وصحيح الاسلام، ونشر أن اللجنة عقدت اجتماعا واحدا دون أن تتضح ماهى النتائج التى ترتبت وماهى الخطوات التى تقرر اتخاذها والقادرة على الفعل، والتأثير وإنهاء العجز المخجل والمؤسف والذى أدى الى استفحال وتسرطن معتقدات شوهاء باسم الدين!!. المسئولية يجب أن يتحملها جميع مؤسسات المجتمع وللأسف أغلبها يعانى ضعفا وانهيارا ان لم يكن غائبا.. وفى مقدمتها التربية والتعليم والانشطة الثقافية والشبابية وتحمل الاعلام المرئي والمسموع قدرا كبيرا من المسئولية وتحتاج أغلب البرامج الدينية الى تطوير وتحديث فى خطابها وتحديد لأولويات رسائلها واهتماماتها التى يجب أن يكون على رأسها الاضاءة والتبصير والتصحيح وكشف جهالة دعاوى التطرف والكراهية ولا يصلح للمواجهة أسلوب ردود الفعل المرهونة بحدث والتى تتوقف فور انتهائه لابد من خطط محسوبة ومدروسة ومستمرة تجعل المواجهات الفكرية قاعدة والتزاما مشروطا بامتلاك حجيات النفاذ الى العقول والارواح والاقناع بالصحيح وشجاعة الاعتراف وتصحيح لأخطاء بشر ليسوا معصومين.

{ من نماذج البرامج الدينية المهمة سهرة يومية تقدمها اذاعة القرآن الكريم عند منتصف الليل باسم «سهرة دينية» وتلبى السهرة ومجموعة محترمة من المذيعين يلبون فيها دعوات لزيارة مساجد فى أبعد قرانا ونجوعنا فى جميع أنحاء الجمهورية وتتضمن السهرة قراءة لآيات من الذكر الحكيم يعقبها درس دينى من أحد الاساتذة الأفاضل ويتضح فى أساليب الاستماع وأحيانا المبالغ فيها والتى تتجاوز ما يجب ان يكون عليه خشوع الاستماع ـ مدى اللهفة على التزود والتعلم ولكنها للأسف لا تستثمر فى القضايا الحياتية والمصيرية والمجتمعية وعلى رأسها ما تنشره الجماعات المتطرفة من افكار مغلوطة عن الاسلام والعادات والتقاليد المتخلفة التى لا علاقة لها بصحيحه ونشر دعوات المحبة والرحمة والتسامح، وما يمتلئ به الاسلام من قيم وأخلاق واحترام لجميع الرسالات، ورفض وتحريم وتجريم لاستباحة وإهدار الدماء.

{ تهنئة متجددة ودائمة لأبناء مصر من المسيحيين باحتفالاتهم بالأمس بأعياد الميلاد المجيدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف