يشهد التاريخ بأن مصر كان قدرها أن تكون حائط الصد ضد كل الهجمات الاستعمارية الكبري علي المنطقة، في سبيل ذلك دفعت مصر الكثير من دماء أبنائها، وثرواتها، وحريتها واستقلالها لقرون طويلة.
وعبر تاريخها الطويل، استطاعت التجربة المصرية في المنطقة العربية أن تؤسس لدي أنظمة وشعوب المنطقة مكانة القيادة لمصر، حيث كانت تجسد النموذج الاقتصادي والسياسي والثقافي، الذي يجب أن يحتذي، وحين جٌمدت عضوية مصر في النظام الإقليمي العربي لمدة تقارب عقدا من الزمان عقب توقيع السادات معاهدة السلام مع إسرائيل 1979، ومحاولات دول وزعامات عربية احتلال مركز القيادة الذي بات شاغرا بغياب مصر، وظل النظام العربي عاجزاً عن طرح بديل جدي للقيادة المصرية، ومما زاد الأمر تشابكا وتعقيدا، أن مصر حين عادت للصف العربي، كانت قد فقدت جزءا كبيرا من فعاليتها وقدرتها ومصداقيتها علي التحرك واتخاذ القرار المستقل، جراء دورانها في الفلك الأمريكي؛ وتسليمها أوراق اللعبة السياسية في المنطقة للولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها اسرائيل، أضف إلي ذلك ما حدث من تجريف ضخم للبيئة الداخلية المصرية علي جميع المستويات.
في هذه الأثناء، كانت ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ قد انفردت بقمة النظام العالمي، وبدأت بوضع الخطط لتأكيد هيمنتها العالمية، ومنع ظهور قوي أخري من منافستها، وفي هذا الاطار صاغ جماعة المحافظين الجدد، مخططا كبيرا، يرمي إلي هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية علي مصادر القوة في العالم، وفي القلب منها مصادر الطاقة، خاصة نفط منطقة الخليج، وذلك من خلال مخطط سايكس بيكو جديد.
كان الخيار البديل هو الفوضي الخلاقة، من خلال إيجاد حالة من حالات الاحتقان و الحساسية بين الشعوب العربية وبعضها، وبين أبناء الشعب الواحد، وكان وهم الديمقراطية هو حصان طروادة الجديد الذي استخدمته الولايات المتحدة الامريكية لنشر حالة الفوضي الخلاقة, وفي ظل هذه البيئة المتوترة والمحتقنة ذاتيا وبفعل فاعل، اندلعت موجات الحراك السياسي في المنطقة العربية، ربما في توقيت مبكر عما كان مخططا له .. وكانت البداية تونس لاعتبارات عدة لا مجال لذكرها الآن، إلا أن التربة كانت مهيأة في بلاد عربية عدة لتتلقف شرارات هذا الحراك.
وسرعان ما تلقفت مصر شرارة الثورة؛ وخرج خيرة شباب مصر الوطني معبرا عن رفضه ممارسات جهاز الشرطة، ويطالب بمزيد من الاصلاحات والحريات، إلا أن صلف النظام، وغباءه السياسي، وعجزه عن الفهم والاستجابة السريعة، كانت عاملا في تضخم كرة الثلج؛ فتنامي حجم الغضب وسط الشباب نتيجة النهج القمعي الذي اتخذه النظام ازاء مطالبهم المشروعة، فكانت ثورة 25 يناير 2011، التي انتقلت شرارتها إلي دول أخري بالمنطقة.
وكعادتها، استغلت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الظرف التاريخي، وبدأت في وضع مخطط وصول عملائها –جماعة الإخوان المسلمين- لسدة الحكم في دول المنطقة؛ وكانت نقطة الانطلاق، هي سطو الجماعة علي الحكم في مصر، في أكبر عملية سطو في التاريخ .. سطو علي وطن بكامله، وإعداده للبيع؛ وتجزئته عدة دول؛ دولة اسلامية سنية، دولة قبطية من الاسكندرية لمطروح، دولة النوبة وعاصمتها أسوان، دولة للبدو في سيناء، ودولة فلسطينية في شمال سيناء بعد ضم غزة.
مثل هيمنة جماعة الإخوان المسلمين علي مقاليد الحكم في مصر تهديدا خطيرا لعدد من الأنظمة العربية، ولاستقرار المنطقة، ورغم أن مصر كانت في هذا الوقت تتعرض لأكبر خطر في تاريخها .. خطر يهدد بقاء الدولة ذاته .. فإن أنظار العرب جميعاً توجهت إليها بحثاً عن بوصلة للخروج من المأزق.
وبالفعل كانت مصر علي قدر المسئولية، فقد استطاعت أن تجهض هذا المخطط؛ وجاءت الضربة القوية من قبل الجيش المصري؛ الذي انحاز لإرادة شعبه، وأزاح عن صدر مصر كابوس نظام جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت الأداة الرئيسية لتنفيذ مخطط التفكيك.
الأمر الذي جعل أعداء هذه الأمة وأعوانهم يوجهون معظم سهام حقدهم وغضبهم ضد مصر وشعبها وفي القلب جيشها الوطني؛ لأنهم أدركوا أنه العقبة الكؤود في سبيل انفاذ مخططهم الامبريالي. كانت أولي هذه السهام؛ انهاك الجيش المصري بحرب عصابات في سيناء، وعمليات ارهابية في الداخل المصري تهدف لضرب استقرار الدولة، ومن هذه السهام أيضا، كانت الحرب الاقتصادية، للنيل من استقلال القرار المصري، واحداث وقيعة بين الشعب ونظامه السياسي، بالاضافة إلي الحرب الاعلامية من خلال قنوات اعلامية يسيطر عليها إرهابيو الجماعة أو تروج لأجندة مموليها ممن يريدون الهيمنة علي القرار المصري، ومحاولة حصار مصر اقليميا، والاضرار بأمنها القومي في ملف مهم بحجم ملف المياه...الخ.
لمن لا يعرف؛ إن سياسة مصر الخارجية دائما تجاه قضايا منطقتها تتسم بالنبل والشرف، فلم تتآمر يوما ولم تفرط قط، تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوي ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها، لمن حولها، للبشر جميعاً، بقدر ما تتحمل وتطيق.
مصر حين تمارس دورها الخارجي؛ تعتمد علي منهج ومبدأ التوافق بين الفرقاء بهدف البحث عن حلول ناجزة وسريعة تصل بنا إلي حلول للأزمات .. منهج مصر يختلف عن دول أخري عربية وإقليمية تسعي لنشر الفساد والقتل والدمار والإرهاب .. مصر خيارها هو الاستقرار والتنمية والتعاون المشترك، بخلاف دول أخري اختارت أن تنفق مليارات الدولارات لتهدم وتخرب، وتغذي التطرف والإرهاب، ولتنفذ أجندات خارجية لقوي تقسيم المنطقة وتفتيت دولها، بهدف الهيمنة، وخدمة المشروع الصهيو-أمريكي فيها.
وختاما، علي الدولة المصرية أن تتخذ من الاجراءات الكفيلة بردع مثل هذا العبث من خلال استغلال كل أوراق الضغط الممكنة، وفي القلب منها القوي الناعمة المصرية، وغيرها من الوسائل التي تمتلك مصر منها العديد والمؤثر، والكفيل بأن يكون استخدامه درسا قاسيا لأمثال هؤلاء الصغار. كما ان موضوع العلاقة بين مصر واثيوبيا هو مياه النيل اي حياة مصر التي لا مناقشة ولا مساومة ولا هزار فيها لأنها مسألة حياة او موت بالنسبة لنا .»
مواطن قومي عربي مصري ناصرى