الوفد
كامل عبد الفتاح
الدين والدولة
لكى نتقدم لابد أن نحترم أداة التقدم وهى «العقل» واحترام العقل يفرض علينا أن نمجد فضيلة الحرية التى هى «أم الفضائل» ومن دونها لا تتغير أمه أو تستطيع التعرف على هويتها ومكامن قوتها وإبداعها.. لا تناقض بين الحرية والدين إلا لمن أراد لهما تصادماً مصطنعاً لأن الإيمان بحد ذاته اختيار حر كفله الله للعباد «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. الكهف آية 29» وفى موضع آخر «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.. هود آية 118، 119» «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا.. يونس آية 99».
من صحيح هذه الآيات وقطعيتها يمكننا أن نفكر بهدوء ودونما تعصب ونسأل: هل الدين علاقة شخصية بين الإنسان وخالقه لا يحق لأى شخص أو مؤسسة التدخل بها تحت أى مسمى - أم أن الدين له وكلاء فى الأرض يملكون حق التحدث باسم السماء؟ الحقيقة ودون مواربة أن التدين الحق هو المقرون بالحرية.. حرية أن نفكر ونعتقد ويرى كل إنسان ربه من الزاوية التى يحددها هو وليس التى يفرضها إمام أو مؤسسة ما.
لو أننا أحرار فيما نعتقد إيماناً أو كفراً أو بين الحالين فإن وجوب الحساب فى الآخرة منطقى ـ أما لو كانت درجة الإيمان ونوعه مما يتحكم به هذا أو ذاك فهل من العدل أن يحاسب إنسان على إيمان فرض عليه من خارج عقله وقلبه وليس من صلب قناعاته.. أعتقد أننا بحاجة إلى فكر اجتماعى جديد أو بالأحرى إصلاح اجتماعى يجعل ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وهذا هو الأجدى من دعاوى تجديد الخطاب الدينى التى لن تحقق تغييراً حقيقيا وبها من الشكليات الفارغة أكثر مما تحمله من فكر جديد إن وجد.
ومن غرائب الأمور أن الدولة المصرية على طول تاريخها أممت الإيمان وجعلته نشاطاً لمؤسساتها ولما اتجهت فى عصرها الحديث للخصخصة أبقت على شئون التدين ضمن ممتلكاتها وأنشطتها.. عام 1902 كتب المفكر اللبنانى المولدـ المصرى المعاش والممات فرح أنطون «1874 ـ1922» متسائلاً: ما غرض الأديان فى الأرض؟ وأجاب بأن غرض الأديان تعليم الناس عبادة الله تعالى وحثهم على الفضائل وإصلاح شئونهم بالطرق المذكورة فى كتبها. ولكن ما غرض الحكومات فى الأرض؟ غرض الحكومات حفظ الأمن بين الناس أى حفظ حرية كل شخص ضمن دائرة الدستور، وهذا الدستور لا يجيز أن يؤخذ من حرية الشخص شيء إلا بمقدار ما يجب أخذه لمصلحة الجمهور، ويقول إن دائرة الأديان الإيمان بالقلب أى التسليم إلى الله، ومتى خرجت الأديان عن هذه الدائرة لم تعد شيئاً مذكوراً».
أما المفكر الكبير سلامة موسى فقد كتب عام 1927 مفسرا لماذا تتقدم العلوم الطبيعية كالكيمياء والفيزياء وغيرها بخطى أسرع بكثير من العلوم الإنسانية مثل علوم الأخلاق والعلوم الشرعية وغيرهاـ ويرى سلامة موسى أن العلوم الطبيعية ومجالات البحث فيها لا تخضع لكهنوت دينى وهذا ما جعل تقدمها سريعاً وحرية البحث فى مجالاتها بلا حدودـ أما العلوم الإنسانية فإنها لم تتقدم بنفس القدر لأنها مقيدة بالاعتبارات الدينية التى تغل حرية البحث فى مجالاتها.. والحقيقة أننا فى مصرنا المعاصرة إذا أردنا أن نوجد لأنفسنا فرصة للتقدم فلن تتحقق إلا بالعقل الحر غير المقيد بسقف لأفكاره وغير السجين داخل عقول متحجره أحاطها الزمن بما يشبه القداسة الكاذبة.. وفى تاريخنا ما يمكن أن ننهل منه كما أخذ منه الغرب وانطلق وتسيد.
أتمنى أن يدرس ابن رشد مثلا (14 إبريل 1126م، قرطبة- توفي 10 ديسمبر 1198م) بمختلف مراحل التعليم حتى بكليات الطب والهندسة والعلوم- هذا مفكر هدى أوروبا إلى عصورها الحديثة واكتفينا نحن بتكفيره وحرقه عقاباً له على تجرؤه بالتفكير!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف