فيتو
حسين متولى
تتجوزيني وأغسل لك المواعين ؟!
لم تعد تلك العبارة مغازلة سخيفة لفتاة من شاب قليل الحياء والأدب أثناء مرورها أمامه على ناصية شارع تضم متسكعين، بل عادت مع ارتفاع أسعار السلع ومعها الأجهزة المنزلية، وعدم ضمان السيطرة عليها، في صورة عرض جدي يحتمل الهزل، في زمن بات الهزل فيه مسيطرًا وواقعًا، "تتجوزينى وأغسل لك المواعين..؟!".

سمعتها على لسان أحدهم خلال عبوري إلى جوار فتاتين بمنطقة سكني، استرعى انتباهي مظهر وهيئة قائلها، شاب تبدو عليه ملامح الاقتراب من المنطقة غير الآمنة من العمر، وقفت أمامه مبتسمًا وقلت له: "تعرف إن معاكستك دى كانت عبارة سخيفة يكررها منذ 30 سنة الجهلة وأرباب الضياع، أثناء ملاحقتهم الفتيات في الشوارع..؟".

رد الشاب الثلاثيني على كلماتي بشيء من السخرية الممتزجة بالحسرة، "وأنت لا تعرف عني بالتأكيد أنني أحد أولئك، فلا مهنتي ولا تعليمي أو تربيتي يسمحون لي بغير النطق بالجد في زمن الهزل، أو قل الغلاء الفاحش الذي لا سيطرة عليه إن صح التعبير حضرة الصحفي".

تركته دون تعليق بعد صمت استمر دقيقة كاملة أمامه لم يقطعه سوى انسحابه بعينين لامعتين، وسِرت في طريقي إلى مقهى اعتدت الجلوس عليها ساعات أبحث عن فكرة أو حل لأزمة، ربما لم تعد تخصني الآن وأنا أباشر البحث عن مخرج من تداعيات عتابي لهذا الشاب.

التقطت يدي هاتفي المحمول من جيبي لأطلب صديقة عزباء سائلًا إياها، "تقبلي تتجوزي واحد يغسل لك المواعين يا....؟"، فردت بسرعة البرق "جدًااااا.. موافقة"، واستكملت: "سمعتها في صورة معاكسة تكررت معي وأخريات، لكننا رأيناها عرضًا سخيًا من شباب غير قادر على الزواج، لفتيات غير قادرات وأسرهن على المشاركة في أثاث البيت، تلك هي القراءة الصحيحة لمغازلة بدت لك سخيفة.. أنت قديم قوى".

وتابعت: "لو أنه جاد في عرضه لقبلت طالما رفع عني وأسرتي عبء تجهيز أثاث البيت، فما ادخرته وأسرتي لجهازي انتظارًا لقدوم ابن الحلال، لا يساوي قيمته الثلث أمام الارتفاع الجنوني لأسعار الأجهزة المنزلية والكهربائية، ثلاجة تبدأ أسعار المناسبة منها من 10 آلاف جنيه، والغسالة أقل منها قليلا، وتقل عنهما غسالة الأطباق النصف وكذا البوتاجاز، ولا ثبات لسعر بند واحد منهم لأسبوع، ألا يمكن أن يكون ردي على عرض مغرٍ كهذا لشاب غير قادر على تأثيث بقية شقة الزواج، الموافقة لقاء التنازل عن مستوى الأجهزة التي أشتريها، ومساعدته لي بمجهود بدني في أعمال المنزل طالما سنعمل سويًا كسبًا للرزق..؟".

القبول بفرص أضعف من اللائقة للزواج صارت فلسفة شرائح اجتماعية مهتزة ماديًا جراء موجات الغلاء المتزايدة التي فقدت معها الحكومات دور الرقيب على السوق ولم تستطع القيام ولو بدور المراقب له، ودون قراءة لانعكاسات سياساتها على استقرار الأسر باتت إحصائيات الطلاق المتصاعدة مؤشراتها لا تشغلها، كما لم تعد ملايين القضايا المقيدة على هامشه غير منهكة بوجهة نظرها لمحاكمها ونظامها القضائي، ربما بينها النفقة وتبديد البوتاجاز والغسالة والثلاجة.

انتهت مكالمتي الهاتفية مع الصديقة لأجد جارًا على كرسي مجاور بالمقهى، وهو شاب ساخر يعمل معلمًا بالأجر، يُكمل الصورة السوداء بإطار رمادي: "وما بالك بمن يعزف عن الزواج ويراجع خطوته الأولى لعدم ضمان قدرته على الإنفاق على السلع الأساسية للبيت وليس تأثيث البيت ذاته..؟".

واختتم: "لو أن حكومة بأكملها فقدت السيطرة على الأسعار ولا تضمن استقرار ثمن سلعة لساعة أو أسبوع، فهل لي أن أثق بقدرتي على إدارة بيتي ماديًا لسنة واحدة مع أجري المتدني هذا وعدم استقراري وظيفيًا..؟".

أعتقد أنها إشارات قوية إلى حقائق واضحة وضوح الشمس لنظام حاكم أفقد غلاؤه قطاعًا كبيرًا من مؤيديه غلاوته، بعد أن ضربت سياساته الاقتصادية قيمًا اجتماعية بات معها استقرار الفرد والأسرة مرتبطًا بتقلبات الأسعار، وأصبح الندم على يناير ويونيو تعبيرًا صريحًا على الوجوه والألسنة، والخوف من المجهول داعمًا للصمت وفقدان الثقة في إيجابية حراك جديد يرفع ذات الشعارات المطلبية الأولى، ربما وقعت لافتاتها بأيدي آخرين لن ترحمنا صرخاتهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف