المساء
مؤمن الهباء
توريط البرلمان
ليس غريباً أن يتهم بعض أعضاء مجلس النواب الحكومة بأنها أرادت توريط المجلس معها في قضية جزيرتي "تيران وصنافير" عندما أحالت ملف القضية إليه قبل أن تقول المحكمة الإدارية العليا كلمتها الأخيرة في 16 يناير الجاري.
الغريب أن يأتي هذا الاتهام من داخل ائتلاف "دعم مصر" وليس من معسكر المعارضة.. فقد نقلت صحيفة "الشروق" في عددها الصادر أمس الأول ـ الجمعة ـ عن النائب جمال عبدالعال القيادي بالائتلاف وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب ان "الحكومة حاولت توريط المجلس بإرسال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية إلي البرلمان بعد 9 شهور من توقيعها.. وعقب صدور حكم قضائي بمصرية الجزيرتين وإلغاء الاتفاقية"..مؤكداً ان "الائتلاف لن يناقش اتفاقية ترسيم الحدود إلا بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا.. اللي حضر العفريت عليه أن يصرفه".
ليس هذا فقط.. وإنما رأي القيادي في ائتلاف "دعم مصر" ان مناقشة أي من اللجان النوعية في البرلمان للاتفاقية الآن وهي معروضة علي القضاء خطأ لا يُغتفر.. مضيفاً: "لابد أن نتعلم احترام القانون.. وهي ثقافة الدول المتقدمة.. وهناك حكم صادر اعتبر أن الاتفاقية لاغية.. وهناك جلسة للحسم يوم 16 يناير الجاري.. وبالتالي لا يحق لأي جهة أن تتحدث في تلك القضية سواء أكانت برلماناً أو وسائل إعلام أو حتي ائتلافاً.
واستطرد الرجل قائلاً: "الحكم عنوان الحقيقة.. وعلينا أن ننتظر القضاء ليقول كلمته النهائية.. ولا نمس وطنيتها.. والمجلس سيتمسك بما سينتهي اليه الحكم.. ولكل حادث حديث بعد صدور الحكم".
لقد توقفت كثيراً أمام هذا الصوت العاقل.. الذي لم تشده غواية الطبل والزمر لموقف الحكومة.. ولا غواية المعارضة بالصوت العالي.. وإنما اتخذ الموقف الذي يليق بالمعالجة الموضوعية الهادئة لأزمة تكاد تعصف بالوطن وتزيده انقساماً وتفككاً واستقطاباً.
من الواجب علي كل الأطراف الآن أن تصبر قليلاً حتي تقول المحكمة الإدارية العليا كلمتها الأخيرة في هذا الأمر.. خصوصاً ان تقرير المفوضين أوصي هيئة المحكمة بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري الذي قضي بمصرية الجزيرتين.. وبعد الحكم النهائي يصبح لكل حادث حديث كما قال النائب المحترم.
وبالمناسبة.. هناك نائب آخر كانت له معالجة محترمة للقضية يجب الإشادة بها في هذا المقام.. هو النائب إبراهيم عبدالعزيز حجازي الذي تقدم إلي رئيس مجلس النواب ـ طبقاً لما قال ـ بمستندات سعودية تثبت مصرية تيران وصنافير.. كما طالب رئيس المجلس بالاحتكام إلي التصويت الإليكتروني عند مناقشة الاتفاقية في الجلسة العامة حتي يكون هناك مطلق الشفافية أمام الشعب لمعرفة من صوت مع أو ضد هذه الاتفاقية.
وكان مجلس النواب قد دعا كل النواب وأبناء الشعب إلي تقديم ما بحوزتهم من مستندات أو خرائط تتعلق بالجزيرتين.. حتي يتم عرضها علي اللجان المختصة التي تناقش ملف القضية.. والتوصل إلي الحقيقة.
أعرف ان كثيرين كانوا يتصورون ان قضية تسليم الجزيرتين إلي السعودية ستمر في هدوء وببساطة.. وما دامت الحكومة قد وقعت علي اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة فقد قضي الأمر ولا نقاش.. وتناسي هؤلاء ان الدنيا تغيرت.. وما كان يصلح قبل 25 يناير 2011 لم يعد يصلح بعده.. ولذلك كنت أفضل أن تسير الأمور في مسار عكسي.. بمعني أن تحال الاتفاقية إلي مجلس النواب أولاً ولا توقع عليها الحكومة إلا بعد إقرار المجلس لها أو رفضه.. وأن يجري حوار مجتمعي موسع يجيب علي كل الأسئلة المطروحة الآن بلا اجابات مقنعة.
أظن اننا لو اتخذنا هذا المسار لكان الاحتقان الوطني أقل مما هو عليه الآن.. ولتحمل البرلمان مسئوليته الشعبية في إقرار الاتفاقية أو رفضها.. وحفظ ماء الوجه لمصر الرسمية.. لكن الذي حدث ان الحكومة حملت العبء وحدها.. ولما ثقل عليها أرادت أن تورط البرلمان.. علي رأي صاحبنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف