لم يعد موقع تويتر وتغريداته شأنا شخصيا بين المغردين والمتابعين لهم، بل أصبح أداة سياسية بامتياز، سوف يزداد دورها وتأثيرها فى العلاقات الدولية على نحو غير مسبوق. وبدلا من الحوارات الرسمية ذات الأصول والتقاليد سنكون أمام حوارات من نوع جديد يتابعها العالم كله لحظة بلحظة وكلمة بكلمة. الفضل هنا هو للرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، الذى يرى فى تغريداته التى تتعلق بالشأن العام فى الداخل والخارج أداة تواصل ممتازة تغنيه عن التواصل من خلال أدوات الإعلام التقليدية، وتعفيه من القواعد البروتوكولية التى يراها عقيمة مقارنة بموقع تويتر الذى يجعله يتواصل مع الداخل والخارج فى العالم.
إنه ثورة تاريخية، هكذا ينظر ترامب لموقع تويتر، لأنه أداة هائلة فى توصيل معتقداته وآرائه الى الجمهور الأوسع ودون عناء، ويعتقد أيضا أن الأمر حقق نجاحا له فى الماضى، فلماذا يشك فى تأثيره الإيجابى حين يتولى الرئاسة ويصبح صاحب قرار وكلمة نافذة. ومن المواقف القليلة التى جرت وقائعها فى أقل من أسبوعين، نجد أن الجهات التى اسُتهدفت بتغريدات ترامب قد استجابت أو أعادت تقييم الموقف بما يتناسب مع ما طرحه ترامب بالفعل. هذا ما حدث مع شركتين أمريكيتين لصناعة السيارات وشركة يابانية شهيرة تملك مصنعا فى الولايات المتحدة، حيث تراجعت الشركات الثلاث عن تصنيع طرازات معينة من سياراتها فى مصانع خارجية ولكنها مخصصة للسوق الأمريكى، وجاء التراجع خوفا من الخضوع لضريبة باهظة هدد بها ترامب. وحدث أيضا مع شركة كبرى لصناعة الطائرات وهى مكلفة بصنع الطائرة الرئاسية للرؤساء الجدد تكون الأكثر أمنا مما سبق، اعتبر ترامب فى إحدى تغريداته تكلفتها باهظة وخارج السيطرة، ما دفع الشركة الى توضيح بأنها تتطلع للحوار مع الرئيس فى إشارة للتراجع والاستعداد لمراجعة التكلفة الباهظة.
وإلى حد ما يمكن النظر إلى أن هذه التغريدات حققت أهدافها فى إجبار شركات كبرى على أن تقوم بتصنيع منتجاتها فى الداخل الأمريكى. لكن يظل السؤال هل ستستمر هذه الشركات الكبرى فى تغيير خططها واستراتيجياتها فى التوسع العالمى انصياعا لرؤية ترامب أم سيكون لها موقف آخر؟ سؤال سوف تجيب عنه الأيام المقبلة.
لقد اعتدنا جميعا أن نرى فى التغريدات التى يطلقها أصحابها نوعا من الإنفعالات الذاتية تجاه حدث ما، أو نوع من الأخبار الذاتية، وفى كل الأحوال هى نوع من التواصل المباشر بين صاحب الخبر أو الحدث وبين الجمهور الأوسع. و لا ننسى هنا عاملى البساطة فى صياغة الخبر المطلوب، والسرعة فى وصول المعلومة الى الجمهور المستهدف، إضافة إلى عامل التكلفة التى تكاد تصل إلى الصفر تقريبا، والأهم بالنسبة لأصحاب التغريدات هو التعرف على حجم الشعبية ومدى التفاعل مع الخبر أو الفكرة أو رأى المغرد. وفى حالة رئيس أقوى وأكبر دولة نفوذا فى العالم فإن التغريدات المتتالية والمتنوعة فى موضوعاتها وأفكارها، فإن الأمر يتجاوز ما قيل عن تويتر ورحابته إلى أننا بحق أمام تطور نوعى فى إدارة السلطة والتأثير فى الرأى العام العالمى والمحلى.
واحدة من المشكلات التى غالبا سوف تظهر لاحقا هى فى علاقة التغريدة الرئاسية لترامب، وسياسة إدارته ككل. وحتى اللحظة لا يبدو أن ترامب يستشير أحدا حين يُطلق إحدى تغريداته سواء فى صورة تهديد مبطن لشركة أمريكية لكى تغير موقفا أو تلغى قرارا سابقا يراه الرئيس ترامب ضارا بالعمال الأمريكيين، أو يهدر موارد البلاد على شىء يمكن أن يكون ممتازا وأقل سعرا معا. ويبدو كذلك غياب المستشارين عن إطلاق تغريدات تخص مواقف دولية طارئة مشحونة وقد تتحول إلى أزمة عميقة، والمثل البارز هنا وصف ترامب فى إحدى تغريداته ما قامت به الصين من مصادرة مسبار بحثى فى أعماق البحار تابع لسفينة حربية امريكية فى بحر الصين الجنوبى بأنه سرقة وعلى الصين أن تعيد المسروق إلى أصحابه. فكان رد الصحف الصينية الكبرى أنه – أى ترامب- ساذج ولا يفهم فى العلاقات الدولية وعليه أن يتعلم أولا، مع تأكيد أن الصين ستدافع عن مصالحها وأمنها بكل وسيلة.
أما تغريدات ترامب الأخرى المتعلقة بالموقف من حظر دخول المسلمين إلى أمريكا أو استمرار النية ببناء جدار عازل بين الحدود الأمريكية المكسيكية لمنع المهاجرين من دخول الأراضى الامريكية، فقد نالت حظها من مغردين وأثارت فى الآن ذاته قلق الدول والمجتمعات المعنية. كل ذلك ولم يبدأ الرجل أولى خطواته الرسمية بعد كرئيس للولايات المتحدة.
إن عدم استشارة ترامب للمسئولين فى إدارته عن طبيعة الموقف المناسب للمصالح الأمريكية يجعل من رؤية ترامب التى يعبر عنها فى تغريدة أو أكثر هى العامل الرئيس والفيصل فى الموقف الواجب اتخاذه. والمرجح أن يكون هناك الكثير من المتاعب لأركان الإدارة حين يفاجأون بموقف عليهم أن يدافعوا عنه دون أن يتباحثوا مسبقا فى أبعاد هذا الموقف وفقا للطريقة المؤسسية المعتادة. فعنصر المفاجأة هنا والاعتماد على تصورات ذاتية مسبقة للرئيس المندفع من شأنها أن تُفاقم المشكلات. والمنتظر إن لم تُعَد صياغة وضبط هذه الطريقة من تصرفات ترامب كرئيس، أن يواجه العالم مواقف ذات طابع فوضوى ومشوش، وبما يثير أزمات تنتج عن سوء الإدراك لما يطلبه ترامب أو يلمح إليه أو يعتبره موقفا نهائيا على الجميع أن يتوافق معه برضائه أم بغير رضائه.