الأهرام
يوسف القعيد
أصدقاء من عمان
وأحمد الفلاحى - لمن لا يعرف - علامة من علامات عمان. مثقف قومى عربي. لا يتكلم كلاماً كبيراً، وليس من الذين يملأون الجلسات صخباً وحكايات. لكنه يذهب إلى قلب الحقيقة بأبسط الكلمات. يؤكد مقولة جمال حمدان الخالدة: الجغرافية تاريخ متحرك. والتاريخ جغرافية تعلن عن نفسها. من يومها وأنا أدرك أن الفصل بين الجغرافية والتاريخ خطأ. أكد لى ذلك أحمد الفلاحي.

أراه كلما ذهبت إلى مسقط. وأقابله فى القاهرة عندما يحرص على الحضور فى معرض القاهرة الدولى للكتاب. يعتبر أن أيام المعرض التى تمتد لأسبوعين موعده الغرامى والإنسانى مع أهل مصر والمصريين، يأتى قبل المعرض ويعود بعده، ولا يغادره لحظة. فزيارته معرضية. وطلته كتبية، يبحث عن الكتاب فى أى مكان يجده، سواء فى المعرض أو خارجه.

ذاكرة ثقافية لا تتخلى عن بُعدها القومى الذى نبدو فى أمس الحاجة إلى التمسك به. كان من أحد أحلامه أن يلتقى بالأستاذ هيكل. لكنها الأقدار، ولا راد لمشئتها. حدثت الأستاذ هيكل عنه، وتشوق للقياه. لكن أحمد الفلاحى كان يأتى لمصر عندما يكون الأستاذ هيكل خارجها. خاصة بعد إلغاء لقائه فى المعرض مع جمهوره. وهو اللقاء الذى كان يؤرخ به. ويعتبر ترمومتراً للإقبال على المعرض.

لم يلتق أحمد الفلاحى بالأستاذ هيكل. لكن مكتبته فى مسقط مكتبة هيكلية. ومعرفته بكل حرف خطه هيكل. وكل كلمة نطق بها تجعله مرجعاً هيكلياً. ينافسه فى ذلك صديقه الأقرب – بل ربما كان تلميذه – عاصم الشيدي، الصحفى العماني، ولا ينافسه سوى خالد عبد الهادى المثقف الفلسطينى العربي، يعد كتاباً مرجعياً عن الأستاذ هيكل، ضخماً يمكن أن تصل صفحاته للألف صفحة، فيه كل ما يمكن أن ترغب فى معرفته عن هيكل.

عاصم الشيدي، وخالد عبد الهادي، قابلا الأستاذ هيكل وتحدثا معه. كان عاصم الشيدى يريد إجراء حوار لجريدة عمان. ولكن الأستاذ فى اللقاء الأول فضل أن يكون لقاء. يتحدث معه فيه بعيداً عن الإعلام. وقد جرى اللقاء وامتد دون أن يكون فيه كلمة واحدة للنشر.

لقاء عاصم الشيدى بالأستاذ هيكل كان قد تم بعد لقاء عبد العزيز الهنائي، سفير سلطنة عمان فى القاهرة، قبل أن ينقل إلى لندن. وكان حريصاً على اللقاء. يقابله حرص من الأستاذ هيكل، لدرجة أننى لم أحضره. ولم أعرف ما جرى فيه. وكل ما قاله لى الأستاذ هيكل وعبد العزيز الهنائى بعد أن تم اللقاء، أنه كان لقاء ودياً وإنسانياً أكثر من كونه لقاء سياسياً.

عاصم الشيدى، الصحفى العمانى رحَّالة أكثر من كونه إنسانا مستقرا ببلاده. وله كتاب عن رحلاته. الجزء الأول من كتب أخري، لأنه يحب السفر والرحيل. إلى الجانب الآخر من العالم الذى لا نعرف عنه أى شىء آسيا بكل ما فيها. ومشكلتنا فى مصر أن العالم بالنسبة لنا أوروبا. أضيف لها فيما بعد أمريكا. فى حين أن رياح الشرق – والتعبير للدكتور أنور عبد الملك – ربما كانت المطلوبة لنا أكثر من رياح الغرب.

سيف الرحبي، شاعر عمان الكبير، ورئيس تحرير مجلتها الثقافية: نزوي. الذراع الثقافية لهذه البلاد الجميلة، يصلها بوطنها العربى، ويأخذهما ليصلهما بالعالم الواسع ثقافياً وفكرياً وأدبياً. لم يكن فى السلطنة عندما سافرت إليها. فمنذ أن استقر وكون أسرة وأصبح أباً، يعتبر أسرته لها الأولوية على من يعرفهم. ونجح فى أن يودع أيام الصعلكة والتسكع وقضاء الليالى فى حوارى القاهرة وعلى مقاهيها مع المثقفين. وعبد الله الرحبى أصبح سفيراً لبلاده فى عواصم أوروبا. ولا أدرى كيف اقتلع عمان من أعماقه وحبه لها.

سافرت إلى عمان ومعى رواية الروائى العمانى سليمان المعمري: الذى لا يحب جمال عبد الناصر. نشرتها مؤسسة الانتشار العربى ببيروت. والرواية - بصرف النظر عن موضوعها – هجائية المشاعر العربية والواقع العربى فى نظرته إلى زعامة جمال عبد الناصر. كما أنها مكتوبة بلغة أقرب للسخرية الجميلة التى تحب أن تقرأها.

لا يخدعك العنوان، وأتصور أنها هجائية لجمال عبد الناصر، ولكنها تناول لواقع عربى عشناه وما زلنا نعيشه. وكان الروائى حريصاً على أن يثبت فى أول روايته تنويه، وعلى طريقته فى الكتابة يقول إنه تنويه قد لا يكون ضرورياً:

-­ شخصيات وأحداث هذا الكتاب من نسج الكاتب. فإذا ما تشابهت مع شخصيات أو أحداث حقيقية فى الواقع. فذلك لا يعدو كونه مصادفة قدرية محضة.

الجديد فى هذه الرواية طريقة كتابتها. التى استفادت من الكاتب المسرحى والروائى بيرتولد بريخت. خصوصاً فى روايته: البنسات الثلاثة. حيث يعتبر الروائى موضوع روايته مشروعا للكتابة، يشارك الروائى القارئ فى تأليفه. ويتقدم فصلاً بعد فصل. وموضوع الرواية لا يدور فى مصر. فعبد الناصر الذى يمكن القول إنه موجود فى النص وغير موجود فيه. هم عربي. لذلك فإن بعض فصول الرواية تجرى فى تونس. وبعضها قد يحدث فى السودان.

وزمن الرواية يتأرجح بين ستينيات القرن الماضي، ويصل إلى ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. وما أحدثته من تغييرات. بل إن كلمة فلول وهى المفردة المصرية التى لم نتداولها ونتعامل معها إلا بعد الخامس والعشرين من يناير لها وجود فى الرواية. خصوصاً فى عنوان الفصل الرابع:

- انت أصلاً فلول وملكش دعوة بالثورة.

والرواية تدور أحداثها فى أوساط صحفية. ضمن أبطالها رئيس التحرير ورؤساء أقسام الثقافة والمحليات. ورئيس القسم الدينى والمصحح. وجوه يطلون علينا من العمل الصحفى اليومي. رواية: الذى لا يحب جمال عبد الناصر. ربما تحتاج لكتابة أخرى مستقلة. لكنى أكتب عنها الآن وبالتحديد عن مؤلفها لأنى سافرت إلى عمان وعدت منها دون أن أقابله.

من الأصدقاء الذين أحبهم ويرتبط حبى لهم بعمان: حسين عبد الغني. الإعلامى المصرى والوجه الناصرى الجميل. قابلته لأول مرة فى سلطنة عمان. عندما زرتها لأول مرة وبدأت علاقة إنسانية لتنمو وتتضخم رغم كل الملابسات التى جرت لحسين عبد الغنى عمانياً ومصرياً وعربياً.

مثل حكايات الليالى ورحلات السندباد، عمان تبدأ لكى لا تنتهى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف