عيد العمال من الأعياد التي لم تأخذ حقها في مصر.. فعندما قررنا الاحتفال به وكان ذلك لمسايرة دول العالم التي تحتفل به في الأول من مايو من كل عام.. اكتفت الحكومة المصرية بأن تمنح العاملين في الشركات والمصانع اجازة مدفوعة عن هذا اليوم بينما حرمت موظفي الدولة من منحهم هذه الاجازة ثم عادت منذ بضعة أعوام وقررت أن تكون اجازة عيد العمال لجميع العاملين في كل الجهات.
كان الاحتفال قائماً علي لقاء رئيس الدولة ببعض ممثلي العمال.. حيث ترتفع الحناجر تطلب منحة أو علاوة.. ويبتسم الرئيس الأسبق ويطلب من وزير المالية إيجاد وسيلة لتلبية هذه المطالب.
بصراحة كنت أتمني أن يكون عيد العمال فرصة لكي تقام مسابقات بين العمال وايضا بين أصحاب العمل لتحقيق نوع من التنافس من حيث إجادة العمل وإنتاج أفضل المنتجات ولا مانع من منح من حقق أعلي الإيرادات في التصدير جائزة ولو تشجيعية.. وأن تعلن الدولة في هذا اليوم عن أسلوب ما لحل مشاكل العمل والعمال.. وأن تبحث في موضوع آخر هو تدريب العمال لتخريج عمال مدربين نافعين حتي لا ينتهز صاحب العمل الفرصة ليستعين بعمال أجانب كما حدث في الأعوام السابقة عندما أعلن أحد أصحاب مصانع النسيج عن حاجته لعمال مدربين مصريين ولكنه لم يجد أحدا وبالتالي استعان بعمال من جنوب شرق آسيا.. وأعلن بعد ذلك أن العمال الأجانب أفضل من المحليين لأنهم يتقاضون مرتبات تتناسب مع اتقانهم للعمل.. كذلك هم أفضل من حيث كمية الإنتاج وجودته وعدم إثارة المشاكل.
قد يكون صاحب العمل متحاملاً بعض الشيء مع العمال المصريين ولكن في جميع الأحوال هذه هي نظريته.
والحقيقة المرة أن هناك نقصا شديدا في العمالة المدربة عندنا وهناك تفش شديد في "فهلوة" العمال الذين يعتبرون أنفسهم عمالاً مهرة في كل المجالات ولكنهم لا يجيدون أي عمل.
وفي هذا السياق أذكر أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أعلن عقب قيام ثورة 23 يوليو بأن مصر يجب أن تكون دولة صناعية.. ولا يعقل أن تكون دولة زراعية فقط.. وقام عبدالناصر بتنفيذ رغبته وأنشأ مصانع الحديد والصلب والورق والسماد وغيرها ولكن لم تهتم الإدارة في هذه المصانع بتدريب العمال وتثقيفهم مهنياً.. صحيح أنه في بعض الحالات كان يتم إيفاد بعض العاملين في بعثات تدريبية إلي الخارج.. ولكن الذي حدث أن الأمر لم يتغير وظل الإنتاج سيئاً وضعيفاً وكان هدف العمال هو الحصول علي حقوقهم دون أداء واجباتهم ولجأ البعض إلي اتخاذ التنظيمات الشعبية للثورة كوسيلة للقفز علي الإدارة.. وهكذا ساءت الاحوال في المصانع التي أقامتها ثورة 23 يوليو.
والمصيبة أن الأحوال السيئة للمصانع لم تتوار ولكن فيما يبدو أنها مازالت مستمرة حتي الآن.. وعلي سبيل المثال أن محافظ الشرقية اكتشف أثناء مروره وجود مصنع للزيوت والصابون.. وقد تحول إلي "زريبة" للحيوانات.. والعاملات جالسات لتنظيف "الخضار".. والعمال والموظفون جالسون تحت أشعة الشمس.. وماكينات التشغيل متوقفة تماماً.. وسأل المحافظ عن سر هذه الفوضي فجاءت الاجابة بأن المصنع متوقف عن العمل منذ عدة أيام لعدم وجود خامات.
المصيبة بعد ذلك أن العمال طالبوا طبعاً برواتبهم وحوافزهم!! لأن هذه الفوضي التي حلت بمصنعهم لا شأن لهم فيها بل هي مسئولية الإدارة.. والإدارة تنفي المسئولية لأن الخامات في حاجة إلي سيولة مالية لشرائها.. والمسئولون عن النواحي المالية لم يستجيبوا لطلب الإدارة وهكذا كانت الخسائر بالملايين!
والغريب أن الحكومة تعلم تماماً أن هناك مئات المصانع متوقفة عن العمل.. سواء كانت مصانع القطاع الخاص أو العام.. وبالتالي فإن استئناف العمل فيها يحتاج إلي تدريب وتأهيل جميع العاملين لإعادة التشغيل.. والحقيقة أن عودة هذه المصانع لاستئناف عملها أمر ضروري والحكومة يجب أن تبذل جهدها لإيجاد حلول للمشاكل التي تعترضها لإعادة تشغيلها.. وحتي يمكن استئناف التصدير بعد سنوات من التوقف.. وللعلم فإن خبراء الأسواق يقولون إن السوق الذي يغلق من الصعب إعادة افتتاحه!!
المهم أن عيد العمال هذا العام بدا مختلفاً بعض الشيء لأن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان صريحاً لأبعد الحدود.. فقد كشف الرئيس عن حقائق تدور حول عدم وجود عمال مصريين مهرة بالقدر الكافي للمشروعات المقبلة عليها مصر في مجال الزراعة والإسكان واستصلاح الأراضي وغيرها.
وأكد ايضا أن جهات كثيرة أعلنوا له عدم وجود عمال مهرة من أبناء مصر.. ولهذا فإن مؤسسة الرئاسة أخذت علي عاتقها مهمة تدريب 2000 شاب من مختلف المحافظات علي الحرف المختلفة لمدة 9 أشهر بالإضافة إلي ما يجري تنفيذه في مركز تدريب آخر.. وتساءل الرئيس هل من المعقول أن يكون لدينا ملايين الشباب ونعاني من عجز في الأيدي العاملة الماهرة.
هكذا كان الرئيس صريحاً.. وبالمناسبة فإن مهمة التدريب وأعداد العمالة الماهرة وحل كل مشاكل البطالة يجب أن يعهد بها إلي المحافظات التي هي في واقع الأمر أدري الناس بكل ما يدور في نطاق المحافظة من حيث الامكانيات والعقبات والمشاكل وعدد من هم في سن العمل والمجالات التي تطلب أيدي عاملة.
المحافظات هي الأقدر بالتأكيد علي حل مشاكل البطالة ولكن هذا يتطلب إعداداً جيداً وتوفير امكانيات بالقدر المطلوب.
بصراحة آن الأوان لكي تأخذ المحافظات حظها في حل مشاكل الجماهير في دائرة كل محافظة وأن يحصل المحافظ علي صلاحيات كاملة تمكنه من أداء كل ما هو مطلوب منه.