الأهرام
مراد وهبة
فى الطريق إلى الوضع القادم
ورد إلى ذهنى عنوان هذا المقال مما نُشر فى صحيفتى “ الأهرام” و” المصرى اليوم” فى يوم واحد بتاريخ 4/1/2017. وأقصد بهذا العنوان المساهمة فى استكمال “ ثورات الربيع العربى” التى رفعت شعار “ الشعب يريد اسقاط النظام”، أى إسقاط الوضع القائم المأزوم. إلا أنها صمتت إزاء رفع شعار الوضع البديل، أى الوضع القادم، فأصيب الوضع القادم هو الآخر بأزمة، ومن ثم استبدلت هذه الثورات أزمة بأزمة.

والسؤال اذن: هل تصور قادة هذه الثورات أن البديل قادم آلياً؟ إذا كان الجواب بالايجاب فهم واهمون فى هذا التصور لأن البديل القادم يستلزم فلاسفة يفكرون فيه ويكتبون عنه حتى يتحول البديل إلى تيار ضاغط ويكون من شأنه ابتداع شعار ايجابى خاص بالنظام الجديد كأن يقال مثلاً: “ الشعب يريد نظاماً علمانياً”

وهنا لابد من التساؤل: لماذا اخترت هذا النظام الجديد ولم اختر غيره؟ وفى صياغة أدق:

لماذا اخترت العلمانية دون غيرها من الايديولوجيات؟ وأجيب بسؤال تمهيداً للجواب: ماذا كانت سمة الوضع القائم المأزوم؟

كان يموج بهيمنة أصولية إسلامية متداخلة مع رأسمالية طفيلية وتريد فى نهاية المطاف الاستيلاء على السلطة لاستعادة الخلافة الاسلامية، أى لاستعادة وضع مضى فاقد الفاعلية بحكم كونه قد مضى. والذى يمضى لا يعود بحكم تطور المسار الحضارى فى اتجاه الارتقاء.

وإذا كان هذا الجواب صالحاً لأن يكون تمهيداً للجواب عن التساؤل المثار فهل ما هو حادث الآن يسمح لنا باختيار العلمانية نظاماً للوضع القادم؟

أظن أن الجواب بالايجاب وإليك الدليل مما قرأته فى الصحيفتين. فى صحيفة الأهرام حوار أُجرى مع البابا تواضروس الثانى بابا الاسكندرية وبطريرك الكنيسة المرقسية. وأنا هنا أنتقى عبارات محددة تشى بسلامة الجواب. يقول البابا “ نحن قاسينا كثيراً فى فترة السنة المظلمة (2012- 2013) وكنا فى حالة صدام. وكلنا مصريون- مسلمون ومسيحيون- نعمل حالياً من أجل بناء بلد جديد”. والمقصود بهذه السنة المظلمة هى السنة التى استولى فيها حزب الاخوان المسلمين على الحكم.

وعندما سُئل عن طريق الخلاص من الارهاب قال البابا: “ إن القرى محتاجة إلى تنشيط لتفتيح العقول. أيضاً التعليم وما يقدمه للعقول فى المرحلة الابتدائية وخريجو كليات التربية أحد المفاتيح”. وأنا هنا أضيف بصفتى أستاذاً فى كلية التربية بجامعة عين شمس أن هذه الكليات محكومة بفكر الاخوان المسلمين الذى يستند إلى فكر الفقيه ابن تيمية الذى يدعو إلى إبطال إعمال العقل فى النص الدينى، أى إلى رفض تأويل النص الدينى بدعوى أنه رجس من عمل الشيطان والاكتفاء بالسمع والطاعة.

وعندما سئل البابا عن الخطوة التى قام بها رئيس جامعة القاهرة بالغاء خانة الديانة قال: “ إلغاء خانة الديانة فى جامعة القاهرة خطوة جيدة من أجل تحقيق المساواة وعدم التمييز. الدين اعتبار شخصى للانسان سيحمله معه بعد حياته ويقف به أمام الله فقط. ولهذا فأنا قبل أن أكون مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو مؤمنأ بأى ديانة أخرى فأنا انسان ولدت على أرض مصر فأنا مصرى وهذا هو العامل المشترك”.

وعندما سئل عن الشاب الذى فجر نفسه بحادث الكنيسة البطرسية ولمن أقنعه بذلك أجاب البابا: “أقول له إنك عشت فى أوهام كاملة، وهذه الأوهام أدت إلى هذه المأساة. وعملك لم يكن فيه أى شكل من أشكال الشجاعة بل هو عمل جبان وعمل خسيس إلى أقصى درجة”.

هذه الاجابات من قِبل البابا تاواضروس الثانى تشى بأن الوضع القائم المأزوم كان أصولياً حتى النخاع. وإذا كانت العلمانية نقيض الأصولية بحكم أن العلمانية هى “التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق” و أن الأصولية هى “التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى” فإن العلمانية بهذا المعنى تكون هى الوضع القادم.

وأنتقل بعد ذلك إلى حوار الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف مع عدد من الشباب الذين يمثلون الأطراف المعنية بالصراع فى إقليم “راخين” بميانمار (بورما سابقاً) تحت شعار “ نحو حوار انسانى حضارى من أجل مواطنى ميانمار”. والجدير بالتنويه هاهنا أن هذا الشعار خلا من كلمة “ دين”. ومغزى هذا الخلو مردود إلى قول شيخ الأزهر “ لا أعرف فتنة أضر على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل والقتال باسم الدين”. ثم استطرد قائلاً: إن الأديان الالهية كلها وفى كتبها المقدسة تقرر أن إرادة الله شاءت أن يخلق الناس مختلفين فى أديانهم. ولو أنه أراد أن يخلقهم جميعاً على دين واحد لفعل”. واللافت للانتباه هنا أن هذا القول يشى بأن الأديان متعددة وأنها فى تعددها يلزم أن تكون نسبية. وهنا قال ممثل الوفد الهندوسى فى ذلك الحوار “ إننا نتفهم اختلاف الأديان والثقافات ونحتقل بكل المناسبات الخاصة بالأديان الأخرى مثل رأس السنة الميلادية”. ومع ذلك فإن صحيفة “ الحياة” نشرت بتاريخ 5 يناير تحت عنوان “ ماليزيا تحذر من خطر داعش فى ميانمار فى تحويل اقليم راخين إلى أن يكون منطقة جذب للاسلاميين”.

وفى هذا السياق كله يمكن ترديد العبارة المأثورة التى قالها الراحل القس الدكتور صموئيل حبيب الذى كان رئيساً للطائفة القبطية الانجيلية فى بحث قدمه إلى ندوة كانت من تنظيمه فى أول سبتمبر 1997 “ إن الله فوق الأديان”.

وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول بأن رؤية كل من البابا تاوضروس الثانى والامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لا تتسق مع صياغة المادة الثانية فى دستور مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف