الوفد
عباس الطرابيلى
حكاية صبى سورى!
فى رأس البر جاءنى الفنى لتغيير دش الاستقبال التليفزيوني.. وكان معه معاونه، وهو صبى عمره حول 14 عاماً.. وهو سورى من قلب العاصمة دمشق، وهى بالمناسبة، أقدم مدينة فى العالم.. وعندما سألته عن أحوالهم، قال إنه وأسرته جاءوا من سوريا ليعيشوا معنا لأننا الأقرب إليهم.. هكذا قال. وتلك حقيقة.. ولكنه فاجأنى بقوله.. ولكن ليه يا عمى الأسعار فى مصر أغلى مما هى فى سوريا.. وأردف أنه عائد منذ أيام من سوريا.. وما يكفى لإطعام أسرة من أربعة أفراد فى دمشق.. لا يكفى لإفطار فرد واحد فى مصر، وبالذات فى رأس البر.. ولما قلت ربما ذلك قبل أن تشتعل الحرب الأهلية فى سوريا. رد بأدب شديد: لقد عدت من دمشق من حوالى أسبوعين، وليس من شهرين.. وهذه هى أسعار الطعام هناك حتى الآن.. رغم أن المعارك مستمرة- أى قبل الهدنة- الهشة هناك..
<< وقال: هذه الأسعار هناك كما هى رغم انخفاض معدلات الإنتاج فى سوريا، وبالذات فى ريف دمشق، وأن مصر كانت مشهورة فى الماضى بوفرة إنتاجها الغذائي، قال ذلك وإنه يعلمها منذ كان تلميذاً بالمدرسة الاعدادية هناك. وخجلت وحبست السبب فى داخلي.. لأن متوسط إنتاجية المواطن المصرى انخفضت إلى حد كبير، خصوصاً فى السنوات الأخيرة.. وكأننا تفرغنا لإنتاج الكلام.. وتركنا إنتاج الغذاء.. بينما هم- فى سوريا- لا يعرفون معنى الكسل، مهما كانت الحروب والظروف والمشاكل.. لأن السورى بطبعه ينشأ منتجاً.. فإذا كان اللبناني- جار السوري- هو رجل العلاقات العامة الأول فى المنطقة.. فإن السورى هو رجل الإنتاج المثالى والأول فى الوطن العربي.. ويتأكد ذلك، مما نراه من كل الأشقاء السوريين الذين جاءوا مصر هرباً من القتل.. فقد نزلوا إلى سوق العمل وفوراً.. ليس فقط ليحصلوا على طعامهم.. ولكن لأن العمل مفروش فى جينات المواطن السوري..
<< وسألت وليد، وهذا اسم الصبى السوري- وماذا عن باقى أسرته.. قال كل واحد من الأسرة يعمل. ولا عيب حتى فى نوع العمل.. ولا فى ساعاته.. ولا يضيره أن يعمل 14 ساعة كل يوم.. إنما يضيره أن ينام حتى الظهر.. ويسوءه أكثر أن ينتظر الوظيفة الميري. المهم أن يعتمد على نفسه.. وهذا هو الفرق الكبير بين شعب يواصل التحدى ليعمل ولا «يتمطع» فى سريره، أو يجلس على الكافيه ليسحب من الشيشة ويرفض عملاً يقل أجره عن الألفي جنيه.. وشاب أو صبى سورى يعرف معنى العمل.. هكذا تعود حتى لا يمد يده أو يتسول.. وبين شباب مصريين يرفضون العمل الحر. ولو بجنيهات قليلة.. بل شتان بيننا عندما كنا صبياناً وشباناً لا نأنف العمل فى أى شيء.. فهل تغيرت سلوكيات المصريين..
<< ولا نقول ذلك لتأنيب شبابنا. ولكن لكى نتعلم من الأشقاء السوريين.. ومن صبيانهم الذين لم تدمرهم الحروب ولا حتى توقف تعليمهم فى المدارس..
وحيوا معى وليد الصبى السورى الذى يعمل فى رأس البر وعمره 14 عاماً..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف