شهدت الأيام الأخيرة من العام الماضي ـ 2016 ـ تضارباً صارخاً بين الحكومة والبنك المركزي حول حصيلة القروض التي حققها كل طرف.. مما دفع أحد أعضاء مجلس النواب ـ الدكتور محمد فؤاد النائب عن حزب الوفد ـ إلي تقديم طلب إحاطة للدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس موجهاً إلي رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل والدكتور عمرو الجارحي وزير المالية ود.سحر نصر وزيرة التعاون الدولي بشأن التصريحات المتضاربة حول القروض.
قال د.محمد فؤاد في طلب الإحاطة إن تباين أرقام الحكومة والبنك المركزي حول حصيلة القروض يفضح السياسات الاقتصادية ويثير حالة من البلبلة في الساحة الاقتصادية.. فقد أصدرت الحكومة بياناً قالت فيه إنها تمكنت من إضافة 6 مليارات دولار إلي حسابات البنك المركزي خلال العام المالي الجاري.. وكان ذلك رداً علي تصريحات لمحافظ البنك المركزي أكد فيها أن الحكومة لم توفر سوي 1.5 مليار دولار فقط منذ بداية العام.. علماً بأن الحكومة قد نجحت في توقيع اتفاقيات تمويل ميسرة تجاوزت 9.5 مليار دولار خلال العام الجاري بخلاف منح لا ترد بقيمة 3.5 مليار دولار.
الغريب في الأمر أن هذا التضارب في التصريحات يعكس حالة من الاحتفاء بالقروض من الجانبين.. الحكومة والبنك المركزي.. مع أن الحديث عن القروض ليس بطولة وليس إنجازاً.. وأزمتنا الاقتصادية الراهنة لن تحل ـ يقيناً ـ بالقروض والمنح.. وإنما بعملية إحياء منظمة وشاملة لكل وحدات الإنتاج التي تم إغلاقها أو تعطيلها أو تخريبها.. بمعني أن خروج مصر من الأزمة الاقتصادية الخانقة لن يحقق إلا برؤية جديدة تقوم علي إعادة تشغيل المصانع المغلقة.. وتحديث أدوات الإنتاج في شركات القطاع العام والخاص حتي تعمل بكامل طاقتها.. وبالتالي يعاد تحويل الشعب العاطل ـ أو المعطل ـ الذي أدمن جلسات الشيشة علي المقاهي والكباري إلي شعب عامل منتج.
لا حل أمامنا إلا بتغيير ثقافة اقتصاد المعونات والمساعدات والاستثمارات الطفيلية الاستهلاكية إلي ثقافة الاعتماد علي النفس والموارد الوطنية وتعظيمها.. وبث روح الأمل في هذا الشعب كي يتحول إلي طاقة عمل منتجة ورابحة بعد أن ظل لسنوات طويلة مجرد مستهلك يعتمد علي ما سيأتيه من معونات أو من أرباح السمسرة والمضاربة.
لو حدث هذا التحول الكبير.. ونجحنا في حشد المصريين جميعاً لإنجازه.. واعتبرناه مشروعنا القومي خلال السنوات القليلة القادمة لتغيير وجه الحياة في مصر.. ذلك لأن العمل والإنتاج لا يوفران احتياجات الشعوب فحسب.. وإنما يوفران للناس عنصر الأمان والثقة بالنفس وبالقدرة علي التحدي والبناء وصياغة المستقبل علي أسس سليمة ومتينة.
هل تصدق أنه في نفس العام الذي وقعت فيه مصر معاهدة السلام مع إسرائيل ـ عام 1979 ـ وبدأنا بعده رحلتنا مع المعونات الأمريكية والغربية.. في نفس هذا العام قامت الثورة الإيرانية.. وخضعت بعدها إيران لنظام العقوبات الذي فرضته الدول الغربية بزعامة أمريكا.. واليوم وبعد 38 عاماً علي المعونات الغربية والأمريكية لمصر والعقوبات الدولية علي إيران.. أين هي مصر وأين هي إيران؟!
نحن في مصر نتحدث عن نجاحنا في تطبيق منظومة الخبز.. ونفخر بعدم انقطاع التيار الكهربائي.. وبدأنا نفكر في برنامج نووي لتوليد الكهرباء.. ونبحث عن علاج ناجح لمشكلة مزلقانات السكة الحديد.. لكننا تراجعنا بفضل عقلية المعونات الأجنبية إلي مراحل ما قبل ستينيات القرن الماضي.. أما إيران فبفضل عقلية تحدي العقوبات اشتعل فيها الحماس.. واستطاعت بناء قاعدة صناعية قوية.. وتحقيق التصنيع العسكري الذي يحفظ أمنها القومي حتي صارت دولة نووية.
بالطبع ليس مقصوداً بهذه المقارنة التقليل من بلادنا أو بث اليأس في النفوس.. وإنما المقصود إضاءة الطريق الصحيح الذي يجب أن نسير فيه دون تخبط لإنقاذ أنفسنا مما وصلنا إليه.. ولكي نحافظ علي وجودنا ومكانتنا.
المطلوب الآن.. وعلي وجه السرعة.. حركة قومية شاملة لإعادة الاعتبار إلي قيمة العمل والإنتاج والبناء والاعتماد علي الذات وإحياء دور القطاع العام واستعادة الوحدات والشركات والمصانع التي تم تخريبها أو تعطيلها باسم الخصخصة.. وحل مشكلات شركات الغزل والنسيج والحديد والصلب التي توقفت عن الإنتاج.. أو كادت.