المصريون
ربيع عبد الرؤوف الزواوي
في رحاب آية من سورة الأعراف
أعرني انتباهك أيها القارئ الكريم؛ فالأمر خطير!... وتكرّم أولا بقراءة الآية الكريمة من مصحفك؛ الآية 146 من سورة الأعراف. فإني تأملت هذه الآية الكريمة وقتا طويلا، وكنت (ولا أزال) أخاف مما فيها، وكنت (ولا أزال) أسأل الله العفو كلما مررت بها أو سمعتها تتلى... ولربما استعذت بوجهه الكريم أن أكون كذلك... ثم تأملت لفظا ورد فيها وتساءلت في نفسي لماذا اختار الحق جل وعلا هذا اللفظ؟ وهو لفظ (الرُّشْد) دون غيره في هذا الموضع؟ وفي قراءة حمزة والكسائي وخلف (الرَّشَد) بفتح الراء والشين... كان من الممكن أن يأتي مكانه لفظ (الحق) أو (الهدى) أو (الإيمان) أو (المؤمنين) أو أو.... بيد أن لفظ الرشد وضع هنا لحكمة عالية ومهمة غالية لا يؤديها غيره من الألفاظ ولا يسد مسده غيره من المعاني... وقد وجدت نظير ذلك كثيرا في كتاب الله جل وعلا: - فحين أوى الفتية الصالحين إلى الكهف فرارا من الملك الطاغية الكافر لم يسألوا الله (النصر) ولا (التمكين) ولا (الظفر) ولا غيره... إنما سألوه سبحانه رحمته ثم (الرَّشد)؛ فقالوا: ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا (رَشَدا). - ولما سمع الجن القرآن أول مرة تعجبوا ووصفوه بأنه يهدي إلى (الرُّشْد) فقالوا :إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلي (الرُّشْد) فآمنا به... - وحين التقى موسى عليه السلام بالخضر عليه السلام طلب منه طلبا واحدا، وحدد هدفا واحدا؛ فقال: هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت (رُشدا)... - وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا (رَشدا)... ونظائر ذلك في القرآن الكريم كثير جدا... في استعمال الرُشد والرَشد... فانتبه له وتأمله... فما هو يا ترى (الرُّشْد) أو (الرَّشَد)؟؟ الرُّشْد: هو أن تصيب وجه الحقيقة، وهو السداد والسير في الاتجاه الصحيح... فلو كان هناك طريق بين بلدين؛ إحدهما (أ) والآخر (ب) فلو كنت تريد البلد (ب) مثلا وجئت هذا الطريق من منتصفه ولا تدري الاتجاه الصحيح إلى البلد (ب) فلربما سرت في الاتجاه المعاكس رغم كونك على الطريق الصحيح... فلا تصل لهدفك أبدا... فلو أرشدك مرشد للاتجاه الصواب إلى البلد (ب) فقد رشدت أو رزقت الرشد... تذكر أن الرشد هو السير في الاتجاه الصحيح... وليس كل مريد للحق يوفق للسير إليه إلا إذا رزق الرشد والسير في الاتجاه الصحيح... فإذا أرشدك الله سبحانه فقد أوتيت خيرا كثيرا... فبالرشد تُختَصر المراحل، وتُختَزل الكثير من المعاناة، وتتعاظم النتائج... اسمع إلى ربك جل ثناؤه حين قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)... ثم أعطاه طريق الوصول لذلك فقال سبحانه: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) لكي يحصلوا على الكنز المأمول وهو: (لعلهم يرشدون). قال (لعلهم يرشدون) ولم يقل (لعلهم يفلحون) أو (لعلهم يفوزون) أو أو... فانتبه. فكأن سبيلك إلى الرشد هو الإيمان والاستجابة لأوامر الحق جل وعلا.... الاستجابة بمفهومها الشامل... فانتبه. وإذا عدنا إلى الآية الكريمة محور هذا المقال الآن أدركنا حجم عناد من يرى طريق الرشد ولا يتخذه طريقا له ولا يسير فيه فاستحق العقاب المذكور في أول الآية.. نسأل الله العافية.. ومعنى الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى سيصرف عن الاعتبار بآياته في الكون وفي الأنفس، وعن فهم آيات القرآن، الذين يتكبرون على عباد الله وعلى الحق بغير حق، وإن يروا أي آية لا يؤمنوا بها؛ وذلك لاعتراضهم عليها، وإعراضهم عنها، يحادون الله ورسوله، وإن يروا طريق الحق الموصل إلى مرضاة الله لا يسلكوه، ولا يرغبوا فيه، وإن يروا طريق الضلال والغواية الذي فيه سخط الله وغضبه يسلكوه، وقد أصابهم ذلك لتكذيبهم بآيات الله العظيمة الدالة على صدق ما جاء به الرسل عليهم السلام، ولغفلتهم عن النظر في هذه الآيات والعياذ بالله. فاللهم اجعلنا ممن يتخذون سبيل الرشد سبيلا... وهيء لنا اللهم من أمرنا رشداً... واجعلنا اللهم من الراشدين... #الرشد #سبيل_الرشد

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف